كابل- في خطوة تعتبر الأهم على الصعيد الدبلوماسي بين باكستان وأفغانستان منذ سيطرة حركة طالبان الأفغانية على الحكم في أفغانستان في أغسطس/آب 2021، أعلنت باكستان يوم الجمعة 30 مايو/أيار المنصر، ترقية القائم بالأعمال الباكستاني في كابل إلى مرتبة سفير، لترد أفغانستان يوم الأحد بخطوة مماثلة.
ويأتي هذا التطور بعد سنوات من الفتور في العلاقات بين إسلام آباد وكابل، في ظل التوتر الأمني عبر الحدود، وفي الأقاليم الباكستانية الغربية المحاذية لأفغانستان، حيث تتهم باكستان حكومة طالبان بعدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لكبح تحركات الجماعات المسلحة وعلى وجه الخصوص حركة طالبان الباكستانية.
يحمل هذا التبادل برفع مستوى التبادل الدبلوماسي، حسب مراقبين، دلالات سياسية هامة، وتعبر عن رغبة الطرفين في إعادة الثقة بينهما وتأسيس مرحلة جديدة في العلاقات، في الوقت الذي يتم التركيز فيه على المصالح الاقتصادية التي قد تنفع البلدين، في ظل اهتمام الصين بتوسيع مشاريعها الاستثمارية في المنطقة.
دور صيني
في خلفية هذا التطور، يبرز الدور الصيني كوسيط إقليمي يسعى إلى تحقيق الاستقرار وخلق بيئة مواتية في الدول التي تعتبر عصب مشروعها القومي “مبادرة الحزام والطريق”، حيث تشكّل باكستان وأفغانستان نقاط عبور أساسية.
وفي وقت سابق من شهر مايو/أيار، التقى وزراء خارجية كل من باكستان وأفغانستان والصين في بكين، لمناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث ومكافحة الإرهاب، وقد أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن أفغانستان وباكستان أعربتا عن رغبتهما في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، وتبادل السفراء قريبا، وأن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني سيمتد إلى أفغانستان.
وفي هذا السياق، قال المبعوث الباكستاني الخاص السابق لأفغانستان، السفير آصف علي دوراني، إن الدور الصيني كان واضحاً نظراً للعلاقات القوية جداً بين الصين وباكستان، والمساهمة الصينية الواضحة في المجال الاقتصادي في أفغانستان.
وأضاف دوراني في حديث للجزيرة نت، أن عددا من القضايا تم طرحها في الاجتماع الثلاثي في بكين، وكانت إحدى النتائج المهمة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين باكستان وأفغانستان.
ويقول الخبير في العلاقات الباكستانية الأفغانية طاهر خان، إن الصين هي اللاعب الرئيسي الذي دفع باكستان لرفع وترقية العلاقات مع أفغانستان، لأن الصين كانت الدولة الأولى التي رفعت التمثيل الدبلوماسي مع أفغانستان إلى مرتبة سفير.
وأضاف خان للجزيرة نت، أن الدور الصيني لخفض التوتر بين باكستان وأفغانستان ليس جديداً، وكان قد بدأ فعلياً منذ عام 2017، بعد الانفجار الذي وقع قرب السفارة الألمانية في كابل، حيث حاولت الصين منذ ذلك الوقت تهدئة التوتر بين البلدين.

خطوة مهمة
يقول السفير دوراني، إن تحسين مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين “خطوة مهمة جداً”، وتأتي في الوقت المناسب.
وأضاف دوراني، أن هذه الخطوة تعطي إمكانية وصول أفضل للدبلوماسيين إلى المؤسسات الحكومية وإلى كبار الشخصيات، “عندما تُعيّن سفيرا، ذلك يعني أن علاقاتك عادية وطبيعية، أما إذا كان مستوى التمثيل من قائم بالأعمال فهذا يعني تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي”.
يؤكد على ذلك طاهر خان، الذي قال إن هذه الخطوة دبلوماسياً تعني أن البلدين وضعا علاقاتهما في مسار طابع رسمي.
وتمنح هذه الخطوة البلدين القدرة على توقيع اتفاقيات ثنائية، لأنه على مدار السنوات الأربع الماضية لا يوجد اتفاقيات رئيسية تم توقيعها بين باكستان وأفغانستان.
وعن إمكانية أن تكون بمثابة خطوة للأمام نحو الاعتراف بالحكومة الأفغانية، قال السفير دوراني، إنها يجب أن تكون في هذا الاتجاه، لكن حتى الآن الإعلان عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي رسمي.
وأشار إلى أن الصين اتخذت خطوة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي قبل باكستان، ويوجد بعض الدول أيضا تعمل على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع أفغانستان.
بينما يقول الخبير طاهر خان، إن ذلك يمكن اعتباره خطوة نحو الأمام، في إطار إمكانية اعتراف باكستان بحكومة طالبان في أفغانستان.
مواجهات بالسلاح الثقيل خلفت حوالي 46 قتيلا معظمهم مدنيون.. لماذا اشتعلت أزمة بين أفغانستان وباكستان؟#الجزيرة_لماذا pic.twitter.com/zYUYmu3yR1
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 30, 2024
أهمية أمنية
وكان البيان النهائي للاجتماع الثلاثي في بكين قد أكد التعاون على “مكافحة جميع أشكال الإرهاب، والتعاون في إنفاذ القانون والأمن، ومكافحة القوى الإرهابية التي تُشكّل مصدر قلق للجانبين”.
وقد اعتبر الجانب الأمني، والهجمات التي تشنها حركة طالبان الباكستانية داخل الأراضي الباكستانية، والتي تقول باكستان، إن مقاتليها وأبرز قادتها يتمركزون في أفغانستان، أحد أبرز أوجه التوتر بين إسلام آباد وكابل، مما يطرح تساؤلات عن مدى تقليص الهجمات مستقبلاً من خلال إعلان بكين.
وفي هذا السياق، يعتقد السفير دوراني، أن خطوة التقارب الدبلوماسي تدعو إلى التفاؤل نحو إمكانية تراجع وتيرة الهجمات الإرهابية في باكستان. واستطرد “المنظمات مثل طالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان” هي منظمات مدعومة من الهند، وهذا ما يجب على أصدقائنا الأفغان معرفته”.
من جهته يرى طاهر خان، أن من المبكر القول ما إذا كانت الهجمات في الأقاليم الغربية لأفغانستان ستتقلص بهذا التطور الدبلوماسي، وقال “وفقا لما لدي من معلومات فإن طالبان الأفغانية اتخذت إجراءات ضد الأفغان المنخرطين مع طالبان الباكستانية في الهجمات داخل باكستان، وفي الأسابيع القليلة الماضية لم يتم تسجيل أي شيء ضد مواطنين أفغان داخل باكستان”.
ويعتقد أن حكومة أفغانستان أعطت رسالة إيجابية لباكستان عن طالبان الباكستانية، لأن باكستان قالت بشكل معلن، إن الحكومة الأفغانية يجب أن تختار ما بين طالبان الباكستانية أو دولة باكستان.
فوائد اقتصادية
على المستوى الاقتصادي، يمثل اجتماع بكين وما نتج عنه من إعلانات، أهمية كبيرة لأفغانستان ولباكستان أيضاً، فقد يُمهّد هذا التقارب الطريق أمام تحولات جوهرية في النظرة الإقليمية إلى أفغانستان ويفتح أمامها فرصاً حقيقية للاستفادة من مشاريع النقل والطاقة ضمن مبادرة الحزام والطريق، ويعيد رسم خريطتها الاقتصادية كجسر بري بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى.
ووفقاً لبيان الخارجية الباكستانية يوم الأحد الماضي، فقد تم الاتفاق على العمل بشكل وثيق من أجل الانتهاء المبكر من الاتفاقية الإطارية لمشروع خط السكة الحديد للربط الإقليمي بين أوزبكستان وأفغانستان وباكستان.
وفي هذا السياق يقول السفير دوراني، إن الإعلان عن مشاركة أفغانستان في الممر الاقتصادي المشترك بين باكستان والصين يشكل أهمية كبيرة، وهذا سيفتح طريقاً جديداً للاتصال والأنشطة الاقتصادية، وهو ما سيساعد بالتأكيد الاقتصاد الأفغاني على التطور.
وأضاف دوراني، أنه وإضافة إلى المشروع الباكستاني الصيني، هناك المشروع المشترك بين أوزبكستان وأفغانستان وباكستان وهو ما سيقوي التواصل والربط بين باكستان وآسيا الوسطى من خلال أفغانستان.
أما طاهر خان فيقول، إن مشروع خط السكة الحديد بين أوزبكستان وأفغانستان وباكستان كان محط اهتمام طشقند وكابل لسنوات، وأنه بالرغم من أهميته لإسلام آباد واهتمامها به إلا أنها لم ترغب في المشاركة بنشاط فيه، لكن منذ فترة ليست بعيدة أصبحت باكستان تبدي رغبتها في المشروع بشكل كبير.
وأضاف أن التطور الأهم هو حديث وزير الخارجية الباكستاني بعد عودته من الصين عن أن بكين وافقت على تمويل هذا المشروع. واختتم الخبير كلامه، “إن هذا المشروع مهم جدًا، لأن أفغانستان لديها، فعلا، خط سكة حديد من ترمذ في أوزبكستان إلى شمال أفغانستان في بلخ. لذا سيكون من الجيد مدّه إلى بيشاور”.