بعد إنهاء خدمتهم العسكرية، اعتاد الجنود الإسرائيليون السفر إلى أمريكا الجنوبية أو آسيا، إلاّ أن تصاعد الغضب العالمي إزاء حرب غزة والتهديدات القانونية المتزايدة دفع بعضهم إلى إعادة التفكير في رحلاتهم، خشية الملاحقة أو الاعتقال.
في حديث مع شبكة “بلومبرغ”، قال آشير، جندي احتياط مقاتل يبلغ من العمر 34 عامًا، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه العائلي خوفا من الملاحقة والاستهداف: “من المخيف أن يقوم أصدقائي بتحميل صورة لي أو إرسالها إلى شخص آخر، وفجأة أجد نفسي أواجه اتهامات بارتكاب جريمة ضد الإنسانية على حدود بعض البلدان، رغم أنني لم أرتكب أي جريمة”.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية، قد أصدرت مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” في غزة. ولكن الآن يواجه الجنود العاديون احتمال الاعتقال بسبب الصور ومقاطع الفيديو التي نشرت من ساحة القتال.
وأدى ذلك إلى إصدار لوائح عسكرية جديدة تحظر نشر صور الجنود في وسائل الإعلام، مع توصية لجنود الاحتياط والجنود بحذف الصور من حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت المحامية شلوميت ميتز بولات، إنها لا ترغب في أن تسافر ابنتها، وهي جندية احتياط، إلى أي مكان سوى الولايات المتحدة. ورغم أن ابنتها لم تخدم في غزة أو لبنان، إلاّ أنه تم استخدام صورتها بالزي العسكري في تقويم وزعه مؤيدون كنديون لإسرائيل.
وقالت بولات لـ”بلومبرغ”: “ما أخشاه هو أن يتمّ التعرف على الوجه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. من الواضح أنهم يتصيدون ويحاولون العثور على أطفالنا. إنه أمر مرهق للغاية”. نتيجة لذلك، ألغت ابنتها خططها للسفر إلى أمريكا الجنوبية هذا الصيف.
وبدوره، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني للشبكة إن التهديد الجديد “مدفوع من قبل نشطاء مناهضين لإسرائيل، الذين يربطون النقاط بين الجنود الذين ينشرون عن أنفسهم في غزة، ثم الجنود الذين ينشرون عن أنفسهم في دول أخرى”.
وكان هذا هو حال يوفال فاجداني، الجندي الاحتياط البالغ من العمر 23 عاما، الذي كان يقضي إجازته مع أصدقائه في البرازيل.
وقد اضطر إلى الفرار من البلاد في أوائل كانون الثاني/ يناير بناء على نصيحة القنصلية الإسرائيلية بعد أن أمرت محكمة برازيلية بإجراء تحقيق ضده من قبل الشرطة بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان فاجداني أحد الناجين من الهجوم الذي نفذته حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وبعد الهجوم، تم تجنيده في الاحتياط وشارك في القتال بغزة. وخلال مشاركته في الحرب، نشر فاجداني صورا وفيديوهات على إنستغرام، بما في ذلك صورة له بالزي العسكري، بالإضافة إلى مقطع فيديو يظهر عملية هدم منزل.
وعندما سافر في وقت لاحق إلى البرازيل، استمر في نشر صور ومقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع السلطات البرازيلية للتحقيق معه بعد أن أمرت محكمة محلية بفتح تحقيق ضده، وفقاً لـ “بلومبرغ”.
جاء ذلك بناء على طلب من مؤسسة “هند رجب” المؤيدة للفلسطينيين التي طالبت بإصدار مذكرة اعتقال ضد فاجداني.
ووفقا للمنظمة، يشتبه في أن فاجداني شارك في “عمليات هدم واسعة النطاق لمنازل المدنيين في غزة”، معتبرة أن هذه الأفعال كانت “جزءا من جهد أوسع لفرض ظروف معيشية لا تطاق على المدنيين الفلسطينيين”.
ووفقا لموقعها على شبكة الإنترنت، قدمت المنظمة التي تتخذ من بلجيكا مقرا لها شكاوى مشابهة ضد إسرائيليين يسافرون إلى دول مثل سريلانكا، وتايلاند، والأرجنتين، والسويد، وإسبانيا.
وتستند هذه الشكاوى إلى مبدأ “الاختصاص العالمي”، الذي يسمح للدول بمقاضاة الأفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حتى وإن لم يكونوا مواطني تلك الدول أو لم يرتكبوا الجرائم داخل أراضيها.
“أخذ التهديدات على محمل الجد”
ترفض وزارة الخارجية الإسرائيلية التهديدات، وتعتبرها “نشاط علاقات عامة”، مشيرة إلى أنه لم يتم إصدار أي مذكرات اعتقال. ومع ذلك، تأخذ بعض الجماعات الإسرائيلية هذه التهديدات على محمل الجد.
وعلى سبيل المثال، قامت منظمة “إل هاديغيل”، وهي منظمة شعبية لضباط الاحتياط الإسرائيليين، بتقديم حزمة مساعدة قانونية للجنود والاحتياطيين بالتعاون مع شركة “هيرتزوغ فوكس ونيمان”، وهي واحدة من الشركات القانونية الرائدة في البلاد.
وتتضمن هذه الحزمة فحص الوضع القانوني لكل جندي أو جندي احتياط قبل السفر، والتحضير العام للسفر إلى الخارج، وتوفير التمثيل القانوني المحلي في حالة الاعتقال. كما تعمل المنظمة في التحرك على الصعيد القانوني ضد المنظمات التي تستهدف الجنود.
وكتبت “إل هاديغيل” رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تطالبه بمعاقبة هذه المنظمات ومحاسبة الدول المتعاونة.
ومن جهة أخرى، تنصح منظمة “شورات هدين – مركز القانون الإسرائيلي”، وهي منظمة غير ربحية، الجنود والاحتياط بحذف أي صور تظهرهم بزي الجيش الإسرائيلي من وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في غزة أو غيرها، والاحتفاظ برقم هاتف القنصلية الإسرائيلية المحلية في متناول اليد.
وأكدت رئيسة المنظمة نيتسانا دارشان لايتنر لـ “بلومبرغ” أنه في حالة الاعتقال ينبغي على الجنود عدم تقديم أي معلومات للمحققين.
وفي إطار هذه الإجراءات، تخطط المنظمة لنشر هذه النصائح قريبا عبر موقع إلكتروني مخصص، بالإضافة إلى منشورات وإعلانات في الأماكن التي يتجمع فيها الشباب الإسرائيليون.
وقد دفع هذا القلق شركة “هاريل” للتأمين الإسرائيلية، إلى تقديم إضافة جديدة إلى تأمين السفر العادي، والتي تدفع ما يصل إلى 2000 دولار للاستشارة الأولية في حالة اتخاذ إجراء قانوني ضد جندي أو جندي احتياط بسبب خدمته في الحرب.