شهد العالم في العامين الأخيرين تحولًا جذريًا في قواعد صناعة الإعلام بفضل ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي. هذا التطور أتاح الفرصة لتحويل الأفكار إلى محتوى بصري بطرق وأساليب لم تكن متاحة من قبل، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا إبداعيًا قادرًا على كتابة النصوص وتوليد المشاهد وتركيب الأصوات.
وفقًا لتقرير حديث، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي أدت إلى ظهور لاعبين جدد في صناعة الإعلام، وتغيير في طريقة عمل الشركات القائمة. شركات الإنتاج التجاري التي كانت تعتمد على فرق ضخمة وميزانيات هائلة وجدت نفسها أمام واقع جديد تقوده أدوات ذكية قادرة على توليد محتوى أولي خلال ساعات بدلاً من أسابيع.
الذكاء الاصطناعي كشريك إبداعي
شهدت السنوات الأخيرة طفرة مذهلة في قدرات توليد الصور والفيديوهات بالذكاء الاصطناعي. منصات الفيديو بالذكاء الاصطناعي مثل “سورا” و”ران واي” أطلقت عدة تحديثات كبيرة، مما أتاح توافقًا أكبر وإمكانية توليد صوت أصلي متزامن مع الفيديو.
التطورات في هذا المجال جعلت من الممكن إنتاج محتوى بجودة عالية وبسرعة كبيرة. هذا ما عبر عنه كنت بوسيل من شركة “إيه آي كاندي” الإنتاجية، مشيرًا إلى أن مقاطع الفيديو التي كانت تنتجها أدوات الذكاء الاصطناعي في السابق كانت تفتقر إلى الواقعية والاستقرار.
الذكاء الاصطناعي أولاً؟
تمتد إمكانات الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من العناصر الفردية للإبداع، حيث بدأت بعض الشركات في تبني نهج “إيه آي فيرست” في عملياتها الإبداعية. في هذا النموذج، تبدأ جميع مراحل العملية الإبداعية بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وتنتهي باللمسة البشرية.
فيلم “ذا فورست” الذي أنتجته “واي مارك كرياتيف لابس” يعد مثالاً على هذا النهج، حيث استخدم الذكاء الاصطناعي في توليد النصوص والتعليقات الصوتية والمؤثرات الصوتية والصور، ثم قام الخبراء البشريون بصقلها وتشكيلها.
التفاعل هو التميز الجديد
مع تزايد دور الذكاء الاصطناعي في المشهد الإعلامي، يتغير تعريف التميز في صناعة المحتوى. القيمة أصبحت تُستمد من قدرة المحتوى على التفاعل والتكيف مع الجمهور في الوقت الفعلي.
الشركات التي تستثمر في تحليل البيانات وتطوير محتوى تفاعلي ستكون الأقدر على بناء ميزة تنافسية مستدامة. المستقبل الإعلامي سيكون موجهًا نحو الفهم العميق لسلوك الجمهور وتفضيلاته الدقيقة.
الإعلام المرن.. المستقبل يتكيف
مع انخفاض تكاليف إنتاج المحتوى بفضل الذكاء الاصطناعي، تتطور توقعات المستهلكين بسرعة. للتصدي لتحويل المحتوى إلى سلعة، يجب على الشركات تبني أنظمة معقدة ومؤتمتة تتيح تخصيص المحتوى التفاعلي والديناميكي في الوقت الفعلي.
هذا التحول يتطلب إعادة هيكلة كاملة لصناعات بمليارات الدولارات لتتناسب مع متطلبات الإعلام التكيفي الجديد. المستقبل الإعلامي سيعتمد على القدرة على التكيف والابتكار والاستفادة الفعالة من الذكاء الاصطناعي.
وراء الكواليس.. تعقيدات إنتاج الفيديو بالذكاء الاصطناعي
إنتاج فيلم بالذكاء الاصطناعي ليس ببساطة كتابة “موجه” والضغط على زر. الواقع أكثر تعقيدًا بكثير، حيث تتطلب العملية مهارات إنتاجية تقليدية وخبرة تقنية.
توباي والشام من “ميد باي هيومنز” أوضح أن العملية تشبه أيام المؤثرات البصرية المبكرة، حيث يحتاج المنتج إلى أن يكون راويًا وقائدًا مبدعًا ومتمكنًا من التقنية.
نحو القاع أم نحو رفع المعايير؟
بينما يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يُستخدم لإنتاج محتوى سريع ومنخفض الجودة، تُظهر التجارب الحالية أن فوائده الحقيقية تكمن في رفع المعايير الإبداعية.
الذكاء الاصطناعي يمنح الشركات الصغيرة والمتوسطة القدرة على تنفيذ أفكار جريئة ومبتكرة، بينما يتيح للشركات الكبرى توسيع نطاق مشاريعها وتحقيق مزيد من التجريب الإبداعي.
في هذا العالم الجديد، يصبح الذكاء الاصطناعي منصة انطلاق للإبداع، وليس بديلاً عنه. وهو فرصة للمبدعين لاستكشاف آفاق جديدة، ودفع الحدود، وابتكار محتوى يثري تجربة الجمهور.













