شهدت سوريا خلال الأيام القليلة الماضية تطورات عسكرية وسياسية متسارعة، تنذر بتأثيرات كبيرة على دول الجوار والإقليم بشكل عام، وربما تحمل العديد من الفرص والتحديات، وتستدعي بحسب محللين إعادة النظر في التحالفات والعلاقات السياسية الإقليمية والدولية.
فما تأثير التغيير السوري على الدول المجاورة وتحديدا فلسطين ولبنان وتركيا، وما هذه المخاطر المحتملة، ولا سيما ما يتعلق بالأطماع الإسرائيلية وأوضاع اللاجئين السوريين؟
تحديات وفرص
يقول الكاتب والصحفي الفلسطيني نهاد أبو غوش، إن الحدث السوري في جوهره إيجابي لأنه يعبر عن إرادة الشعب السوري في الحرية والكرامة، ويفتح الباب واسعا أمام بناء سوريا الجديدة وإنهاء عقود من القمع والتعسف والحرب الأهلية.
وأكد للجزيرة نت أن مسار الأمور يعتمد بشكل رئيسي على تعاطي قوى المعارضة، وهل لديها مشروع واضح ومتكامل لمستقبل سوريا؟ وهل تحافظ على وحدتها وصياغة عقد اجتماعي جديد يضمن لكل الفئات والمكونات السورية أن تعيش معا ضمن نظام يحفظ حقوق المواطنين؟
وأوضح أن ذلك يكون بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والمذهبية والعرقية، ويستعيد دور سوريا الوطنية في محيطها العربي والإقليمي.
أما عن التحديات والفرص بالنسبة لسوريا فيقول الكاتب والخبير بالشأن الإسرائيلي سليمان بشارات، إن أبرزها القدرة على إعادة بناء نظام سياسي متكامل متزن يشارك به الجميع وهذا سيكون أكبر وأصعب تحدٍّ وليس من السهل الوصول اليه، لأن هناك محاولات من قوى خارجية مثل إسرائيل وأميركا تعزز مبدأ الطائفية والعرقية، وفق رأيه.
القضية الفلسطينية
وبالنسبة للقضية الفلسطينية، يرى بشارات في تصريحات للجزيرة نت أنه لا يجب أن نقرأ الأحداث في سوريا بمعزل عما حصل في لبنان، من الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل، وضعف حالة الحزب والتراجع الإيراني، وربما حتى الهيمنة الإسرائيلية والأميركية على المنطقة.
ويعتقد الخبير بالشأن الإسرائيلي أن التحدي الأكبر أمام القضية الفلسطينية أنها ستكون وحيدة أمام مواجهة السياسات الإسرائيلية الأميركية، متوقعا أن تكون هناك رؤية ستتوافق فيها أراء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع مواقف الصهيونية الدينية في إسرائيل التي يمكن أن تفتح المجال أمام فرض العديد من السياسات الإسرائيلية سواء فيما يتعلق بضم الضفة الغربية وغيرها.
أما الشيء الإيجابي الذي يراه بشارات فهو أن هذه المحطة الصعبة تعمل على إعادة بلورة مفهوم القضية الفلسطينية “لأنها علمتنا ان كل مرحلة ضعف لا تمثل حالة انكسار، ثم تصاغ مرة أخرى للانطلاق”.
الدور التركي
على الجانب التركي، كانت للأحداث المتسارعة في سوريا رد فعل إيجابي من تركيا، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -أمس الثلاثاء- إن بلاده لا يمكن أن تسمح بتقسيم سوريا مجددا، وذلك بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأضاف أردوغان في كلمة بالعاصمة أنقرة، خلال الاجتماع الموسع لرؤساء فروع حزب العدالة والتنمية في الولايات التركية، أن أنقرة لن تسمح بتقسيم سوريا مرة أخرى، أو أن توافق على أن تصبح مجددا ساحة صراع. وشدد على أن “كل اعتداء على استقرار الإدارة السورية الجديدة وسلامة أراضي دولتها سيجدنا نحن وشعب سوريا في مواجهته”.
بدوره، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحفي على هامش منتدى الدوحة في قطر “أصبحت سوريا بلدا حرا، وشعبها مليء بالأمل، لا يستطيع السوريون السير بمفردهم الآن، فهم ما زالوا بحاجة إلى الدعم، ويحتاجون للدعم من خلال القنوات الدولية، وتركيا ستقف إلى جانب سوريا لحماية سيادتها”.
وعن هذا يقول بشارات إن تركيا ستكون الرابح الأكبر فيما يتعلق بورقة اللاجئين السوريين، وهي واحدة من الأوراق التي كانت تؤرق النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تركيا، لذلك ربما تجد تركيا في هذا التغيير المنفذ الأساسي لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وبالتالي تتخلص من أكبر التحديات.
وأضاف بشارات أن تركيا تعتبر نفسها الحاضنة للقوى المسلحة التي أحدثت التغيير في سوريا، وأصبح هذا بالفعل حديث الشارع والإعلام التركي الذي اعتبره إنجازا كبيرا للدولة التركية، ما يرفع من أسهم وحظوظ أنقرة في قدرتها على بناء التحالفات الإقليمية والدولية وإنشاء تحالفات جديدة، وفق رأيه.
أطماع إسرائيلية
منذ الإعلان عن نجاح فصائل المعارضة السورية في إسقاط نظام الأسد سارع الجيش الإسرائيلي للتوغل البري في القنيطرة، واحتلال قمة جبل الشيخ السوري، والسيطرة على المنطقة العازلة عند خط وقف إطلاق النار بهضبة الجولان، تحت ذرائع أمنية ودفاعية.
ولا تقتصر الأطماع الإسرائيلية في الأراضي السورية على الجولان المحتل ولا المنطقة العازلة، بحسب الكاتب أبو غوش، بل تمتد لتشمل كل مساحة محافظة القنيطرة، وأجزاء واسعة من محافظتي درعا وريف دمشق.
ويرى أبو غوش أنه لم تكن صدفة أن تسارع إسرائيل إلى تدمير أسلحة الجيش السوري ومنشآته، وهي لا تخفي رغبتها في أن تتحول إلى اللاعب الرئيسي لرسم مستقبل سوريا وتحديده.
ويقول إنها بدأت ذلك من مدخل التعامل المنفرد مع المكونات الطائفية والعرقية وبخاصة الدروز والأكراد، إعمالا لمشروعها القديم الجديد وهو تفتيت الدولة الوطنية وتمزيق الشرق العربي إلى كيانات طائفية وعرقية متصارعة ليس في سوريا فقط، بل كذلك في لبنان والعراق لنصبح أمام كيانات درزية وعلوية وسنية، ومارونية، وكردية، وشيعية.
بدوره، يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، إن إسرائيل تدرك جيدا، أنّ هناك حالة من عدم اليقين بشأن سوريا المستقبلية، لذلك بدأت بالتحرك العسكري العاجل والإعلامي، لدفع سوريا الجديدة لاتخاذ موقف ما، يتيح لإسرائيل تثبيت واقع يخدم مصالحها في هذه المرحلة.
وأضاف للجزيرة نت أن التحركات العسكرية الإسرائيلية جزء منها أمني مرتبط بتخوفات السيطرة على مقدرات عسكرية تابعة للنظام السابق من قبل جهات جديدة.
النفوذ الأميركي
لا يزال النفوذ الأميركي في المنطقة أحد أكبر التأثيرات على الوضع الإقليمي، رغم تغير شكله وطبيعته مع مرور الوقت، بحسب الباحث السياسي عماد أبو عواد، الذي قال إنه قبل 25-30 عاما، كان هذا النفوذ يعتمد بشكل كبير على السياسة الناعمة، من خلال العلاقات القوية مع العديد من الأنظمة في المنطقة.
وأضاف للجزيرة نت أن وصول ترامب للسلطة، استبدلت هذه السياسة لتصبح أكثر تهديدية باستخدام سياسة “العصا” حيث ركزت أميركا على حماية الأنظمة مقابل الولاء. إلا أن الهيمنة والسيطرة التي كانت تتمتع بها تراجعت -برأيه- لصالح لاعبين دوليين آخرين مثل روسيا والصين، التي أصبحت تقدم نفسها كبدائل في بناء العلاقات.
ودلل أبو عواد على وجهة نظره ببدء ظهور مشاريع إقليمية جديدة مثل المشروع التركي والإيراني، ومبادرات شرق آسيا، التي تمثل تحديا جديدا للنفوذ الأميركي في المنطقة. كما أن التوجه الأميركي نحو تخفيف وجودها العسكري في بعض المناطق انعكس على نفوذها بشكل ملحوظ.