أصبح التخلص من النفايات البلاستيكية تحديًا عالميًا متزايدًا، ومع تزايد حجم هذه النفايات، تتجه الأبحاث نحو حلول مبتكرة لإعادة تدويرها. تعتبر عملية إعادة تدوير البلاستيك الكيميائية من أبرز هذه الحلول، حيث تهدف إلى تفكيك البلاستيك إلى مكوناته الأساسية لإعادة استخدامه في صناعات جديدة، بدلًا من الاعتماد على الطرق التقليدية التي غالبًا ما تقلل من جودة المادة المعاد تدويرها.
تتضمن الطرق التقليدية لإعادة التدوير صهر البلاستيك وإعادة تشكيله، وهي عملية محدودة بسبب تدهور جودة البلاستيك مع كل دورة. في المقابل، تسعى إعادة التدوير الكيميائية إلى معالجة البلاستيك على المستوى الجزيئي، مما يفتح الباب أمام إمكانات أوسع وأكثر استدامة. وقد أظهرت دراسة حديثة نتائج واعدة في هذا المجال.
من البوليسترين إلى التولوين: ثورة في إعادة تدوير البلاستيك
نشرت مجلة “نيتشر نانوتكنولوجي” دراسة حديثة تتناول طريقة جديدة لتحويل البوليسترين، وهو نوع شائع من البلاستيك المستخدم في التعبئة والتغليف، إلى مادة التولوين ذات الأهمية الصناعية الكبيرة. تعتبر هذه الخطوة تقدمًا هامًا نحو تحقيق اقتصاد دائري للنفايات البلاستيكية.
البوليسترين معروف بخفة وزنه وسهولة تشظيه، مما يجعله من المواد الصعبة التجميع وإعادة التدوير بالطرق التقليدية. أما التولوين فهو مركب هيدروكربوني يستخدم على نطاق واسع كمذيب في الصناعة الكيميائية، ويعد لبنة أساسية في إنتاج العديد من المواد الأخرى.
تهدف هذه العملية إلى تحويل النفايات البلاستيكية إلى مواد خام قيمة، بدلًا من تراكمها في مكبات النفايات أو حرقها، مما يساهم في تقليل التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية.
كيف تعمل هذه العملية؟
تعتمد الدراسة على عملية تكسير البوليسترين إلى التولوين في خطوتين متتاليتين داخل نظام واحد. في الخطوة الأولى، يتم تسخين البوليسترين تحت ضغط عالٍ وبوجود غاز الهيدروجين عند درجة حرارة 475 درجة مئوية. هذا التسخين يؤدي إلى تكسير السلاسل البلاستيكية إلى مركبات بخارية وسيطة.
بعد ذلك، في الخطوة الثانية، يتم تمرير هذه المركبات البخارية عبر محفز خاص عند درجة حرارة 275 درجة مئوية. يحتوي هذا المحفز على ذرات منفردة من الروثينيوم، مثبتة على سطح مادة داعمة. يعمل الروثينيوم على توجيه التفاعل لإنتاج التولوين بشكل انتقائي.
وفقًا للباحثين، فإن استخدام ذرات الروثينيوم المنفردة يسمح بتحكم دقيق في عملية التفاعل، مما يزيد من كفاءة إنتاج التولوين ويقلل من تكون المنتجات الثانوية غير المرغوب فيها. وقد أظهرت النتائج تحقيق انتقائية للتولوين بنسبة 99% ومردود بنسبة 83%.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من النتائج الواعدة، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها قبل تطبيق هذه العملية على نطاق صناعي واسع. أحد هذه التحديات هو الحصول على الهيدروجين بطرق مستدامة وصديقة للبيئة، حيث أن إنتاج الهيدروجين نفسه قد يتسبب في انبعاثات ضارة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم النفايات البلاستيكية ليست بوليسترين نقيًا، بل تحتوي على خليط من المواد الأخرى. قد يتطلب ذلك تطوير عمليات تنقية إضافية لضمان جودة التولوين المنتج. كما يجب إجراء دراسات لتقييم تأثير هذه الشوائب على كفاءة العملية.
تشير التوقعات إلى أن الباحثين سيواصلون العمل على تحسين هذه العملية، بما في ذلك تطوير محفزات أكثر كفاءة وتقليل استهلاك الطاقة. من المتوقع أيضًا إجراء المزيد من الدراسات لتقييم الجدوى الاقتصادية والبيئية لتطبيق هذه التقنية على نطاق واسع خلال السنوات القليلة القادمة. وتعتبر هذه التطورات خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة في إدارة النفايات البلاستيكية.













