أكد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، يوم الجمعة، أن المبادرة التي قدمها أمام مجلس الأمن الدولي تهدف إلى تحقيق السلام في السودان، معربًا عن التزام الحكومة بالمساعي السلمية. جاء هذا الإعلان في مؤتمر صحفي عقده إدريس في بورتسودان، بعد عودته من نيويورك، حيث قدمت الحكومة السودانية رؤيتها لإنهاء الأزمة المستمرة. وتأتي هذه المبادرة في ظل أوضاع إنسانية متدهورة وصراع مستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأوضح إدريس أن المبادرة لا تهدف إلى الترويج للحرب بل إلى الدعوة للسلام، مشددًا على أن السودان دولة ذات سيادة ترفض أي تدخل عسكري أجنبي. وأضاف أن الحكومة السودانية تسعى إلى حوار شامل يضم جميع الأطراف السودانية، مع التركيز على المصالحة الوطنية والدمج المجتمعي.
مبادرة السلام السودانية: تفاصيل وخلفيات
تتضمن مبادرة الحكومة السودانية، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء، حوارًا سودانيًا – سودانيًا شاملاً لا يستثني أي طرف، بهدف الوصول إلى حلول مستدامة للأزمة. كما تركز المبادرة على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل كامل، مع إشراف إقليمي ودولي لضمان الالتزام.
وتشمل بنود المبادرة أيضًا انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها حاليًا، وتجميع مقاتليها في مواقع محددة، كخطوة أساسية نحو نزع السلاح. هذه الخطوة، وفقًا لإدريس، ضرورية لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء المؤسسات السودانية.
الوضع الإنساني المتدهور
يأتي طرح هذه المبادرة في وقت يشهد فيه السودان تدهورًا حادًا في الأوضاع الإنسانية، حيث أدى الصراع المستمر منذ أبريل 2023 إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين. تشير التقارير إلى أن أكثر من 13 مليون شخص نزحوا بسبب القتال، مما أدى إلى أزمة لاجئين داخلية وخارجية.
تصاعدت الاشتباكات في الأسابيع الأخيرة في ولايات إقليم كردفان، مما أدى إلى موجة جديدة من النزوح. وتواجه المنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتاجين وتقديم المساعدة اللازمة بسبب استمرار القتال وتعقيد الأوضاع الأمنية.
السيطرة على الأرض
تسيطر قوات الدعم السريع حاليًا على ولايات دارفور الخمس غرب البلاد، باستثناء أجزاء من شمال دارفور لا يزال الجيش يسيطر عليها. في المقابل، يفرض الجيش السوداني سيطرته على باقي الولايات الـ13، بما في ذلك ولاية الخرطوم، العاصمة.
هذا التقسيم الجغرافي يعكس تعقيد الصراع وتعدد الأطراف المتورطة فيه. وتشير التحليلات إلى أن تحقيق السلام في السودان يتطلب معالجة هذه الخلافات الإقليمية والسياسية بشكل شامل.
رفض التدخل الأجنبي والتركيز على الحلول الإقليمية
أكد رئيس الوزراء السوداني رفض بلاده لأي تدخل عسكري أجنبي، مشيرًا إلى أن السودان اكتسب خبرة سلبية من وجود قوات دولية سابقة. وقال إدريس: “لن نقبل بأي قوات أممية في السودان، واكتوينا بجمرة هذه القوات الدولية”.
في المقابل، أبدت الحكومة السودانية استعدادها للتعاون مع دول الجوار والمنظمات الإقليمية للإشراف على تنفيذ المبادرة. وترى أن الرقابة الإقليمية أكثر فعالية وملاءمة للوضع في السودان. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة نقلة استراتيجية، حيث تنتقل الحكومة من موقع التلقي إلى موقع تقديم المبادرات، مما يعكس اعترافًا دوليًا بشرعيتها.
وتشمل الجهود الدبلوماسية السودانية أيضًا التواصل مع دول الجوار لشرح تفاصيل المبادرة وكسب دعمها. وتؤكد الحكومة السودانية أن نجاح هذه المبادرة يحمل أهمية بالغة ليس فقط للسودان، بل للمنطقة بأسرها، حيث يمكن أن يساهم في تحقيق الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية. وتعتبر قضية الأزمة في السودان من القضايا الهامة التي تشغل بال المجتمع الدولي.
بالإضافة إلى السلام في السودان، تركز المبادرة على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتدعو إلى إصلاحات شاملة في المؤسسات الحكومية وتعزيز الحكم الرشيد ومكافحة الفساد. كما تشدد على أهمية تحقيق العدالة والمساواة بين جميع السودانيين.
من المتوقع أن تبدأ الحكومة السودانية في إجراء مشاورات مكثفة مع مختلف الأطراف السودانية خلال الأيام القادمة، بهدف بلورة رؤية مشتركة لتنفيذ المبادرة. كما ستواصل الحكومة جهودها الدبلوماسية لكسب دعم المجتمع الدولي والإقليمي. يبقى مستقبل المبادرة غير مؤكدًا، ويتوقف على مدى استعداد الأطراف السودانية للتعاون والتنازل، وعلى قدرة المجتمع الدولي والإقليمي على تقديم الدعم اللازم. وستكون متابعة تطورات الوضع في السودان، وخاصةً رد فعل قوات الدعم السريع على المبادرة، أمرًا بالغ الأهمية في الفترة القادمة.












