في أعماق خليج مونتيري بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تم رصد الأخطبوط ذو السبعة أذرع (Haliphron atlanticus)، وهو أحد أكبر أنواع الأخطبوطات المعروفة، في مشهد نادر يثير اهتمام العلماء. هذا الكائن العملاق، الذي يعيش في ظلام دامس على عمق حوالي 700 متر، أظهر سلوكًا غذائيًا غير متوقع، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم بيولوجيا هذه المخلوقات الغامضة.
اللقاء، الذي وثقه معهد خليج مونتيري للأبحاث البحرية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لم يكن مجرد رؤية عابرة، بل قدم لمحة عن نظام غذائي يعتمد على كائنات هلامية مثل قناديل البحر، وهو ما يطرح تساؤلات حول كيفية حصول هذه المخلوقات الضخمة على الطاقة الكافية للبقاء على قيد الحياة في بيئتها القاسية.
الأخطبوط ذو السبعة أذرع: لغز التغذية في الأعماق
يُعرف هذا النوع من الأخطبوطات بأحجامه الهائلة، حيث يمكن أن يصل طوله إلى حوالي 4 أمتار. ومع ذلك، فإن رؤيته في الطبيعة أمر نادر للغاية، إذ لم يسجله باحثو معهد خليج مونتيري سوى أربع مرات خلال أربعة عقود من الاستكشاف باستخدام المركبات الروبوتية.
اسم “ذو السبعة أذرع” هو تسمية شعبية مضللة، ولكنه يشير إلى وجود ذراع متخصص لدى الذكور يُستخدم في التكاثر، يُسمى “الهيكتوكوتيلوس”. غالبًا ما يكون هذا الذراع مخفيًا داخل كيس بالقرب من العين اليمنى، مما يعطي الانطباع بأن الكائن يمتلك سبعة أذرع فقط.
نظام غذائي غير تقليدي
لطالما حير العلماء كيفية حصول الأخطبوط ذو السبعة أذرع على ما يكفي من الطاقة للبقاء على قيد الحياة في الأعماق، حيث الغذاء شحيح. تشير الدراسات السابقة إلى أن هذه المخلوقات تتغذى على الكائنات الهلامية، مثل قناديل البحر، على الرغم من أن هذه الكائنات تحتوي على نسبة عالية من الماء وقيمة غذائية منخفضة نسبيًا.
في هذا اللقاء الأخير، شوهد الأخطبوط وهو يصطاد قنديل بحر أحمر يُعرف باسم “قنديل الخوذة”. هذا النوع من القناديل يتميز بكونه حيوي الإضاءة ويتجنب الضوء، ويفضل البقاء في الأعماق المظلمة والباردة.
الأمر المثير للاهتمام هو أن الأخطبوط يبدو أنه يستهلك الأنسجة الموجودة داخل جرس القنديل، ثم يترك اللوامس اللاسعة متدلية خلفه. يقترح الباحثون أن الأخطبوط قد يكون يعيد استخدام هذه اللوامس كآلية دفاع إضافية.
هندسة السلوك المحتملة
تشير ورقة بحثية نُشرت في دورية “ساينتفك ريبورتس” إلى أن هذا السلوك ليس مجرد صدفة. فقد وثقت الدراسة مشاهدات ميدانية لأفراد من هذا النوع وهم يحملون قناديل البحر بين أذرعهم، وأكدت التحليلات المعملية لمحتويات معدتهم أنهم يستهلكون هذه الكائنات.
هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام فرضية “هندسة السلوك”، حيث قد يكون الأخطبوط يستخدم قناديل البحر ليس فقط كمصدر للغذاء، ولكن أيضًا كأدوات أو دروع واقية. هذه الفكرة تتسق مع سلوكيات مماثلة لوحظت لدى أنواع أخرى من الأخطبوطات التي ترتبط بالكائنات الهلامية.
الحياة في الأعماق تتطلب تكيفات فريدة، ويبدو أن الأخطبوط ذو السبعة أذرع قد طور استراتيجية معقدة للاستفادة من الموارد المتاحة في بيئته القاسية. هذا التكيف يجعله مثالًا رائعًا على التنوع البيولوجي في المحيطات.
الخطوة التالية للباحثين هي إجراء المزيد من الدراسات الميدانية والمختبرية لفهم سلوك التغذية لدى الأخطبوط ذو السبعة أذرع بشكل كامل. سيشمل ذلك تحليل محتويات معدة المزيد من العينات، ومراقبة سلوكها في بيئتها الطبيعية باستخدام المركبات الروبوتية المجهزة بكاميرات عالية الدقة. من المتوقع أن تستغرق هذه الدراسات عدة سنوات، وقد تكشف عن معلومات جديدة حول دور هذه المخلوقات في النظام البيئي للأعماق.













