أظهر تقييم حديث لصندوق النقد الدولي تحسناً في النظرة الاقتصادية لتركيا على المدى القصير، مع الإشادة بالتزام السلطات بخفض معدلات التضخم مع الحفاظ على نمو اقتصادي قوي. يشير التقييم إلى أن السياسات الاقتصادية الحذرة التي اتبعتها تركيا قد حققت نجاحات ملحوظة في استعادة الثقة بالليرة التركية وتعزيز الاحتياطيات الدولية، مما يعكس استقراراً متزايداً في الاقتصاد التركي.
جاء هذا التقييم في ختام زيارة لفريق من صندوق النقد الدولي إلى أنقرة، حيث أكدوا على استمرار قوة النمو الاقتصادي في البلاد. وأشاروا إلى أن الأدوات المتعددة التي استخدمها البنك المركزي التركي ساهمت بشكل كبير في تحقيق هذا الاستقرار، على الرغم من بقاء المخاطر على الاقتصاد.
تضخم يتراجع تدريجياً ونمو يتقدم بثبات في الاقتصاد التركي
وفقاً لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنسبة 3.5% خلال عام 2025، وأن يرتفع هذا النمو إلى 3.7% في عام 2026. يعزى هذا التوقع إلى زيادة الاستثمار والاستهلاك، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة وتبني سياسة مالية أقل تقييداً.
أما فيما يتعلق بالتضخم، فيتوقع الصندوق أن يبلغ 33% بحلول نهاية عام 2025، بعد أن سجل 49% في سبتمبر 2024 ثم انخفض إلى 33% في أكتوبر 2025. يعكس هذا التراجع جهود البنك المركزي التركي في مكافحة التضخم، والتي تضمنت رفع أسعار الفائدة واستخدام أدوات أخرى لإدارة السيولة.
بالإضافة إلى ذلك، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية الإيجابية ساهمت في الحفاظ على الثقة بالليرة التركية، بينما ساعد انخفاض عجز الموازنة في كبح جماح الطلب الكلي وتقليل الضغوط التضخمية. وبلغ عجز الموازنة 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 4.7% في عام 2024.
الاحتياطيات الدولية والسياسة النقدية
بلغت الاحتياطيات الدولية الإجمالية لتركيا 184 مليار دولار أمريكي حتى 31 أكتوبر 2025، وهو ما يشير إلى تحسن كبير في قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية، وفقاً لبيانات رسمية. وقد أشاد صندوق النقد الدولي بالبنك المركزي التركي لاستخدامه مجموعة واسعة من الأدوات للحفاظ على استقرار اقتصادي.
تحديات ومخاطر مستمرة
على الرغم من التحسن الملحوظ في المؤشرات الاقتصادية، حذر صندوق النقد الدولي من أن التضخم المرتفع لا يزال يشكل تهديداً للاقتصاد التركي. وأكد على ضرورة مواصلة جهود خفض التضخم بالتعاون مع سياسات سعر وصرف مدروسة.
وأشار الصندوق إلى أن تباطؤ وتيرة خفض التضخم قد يتسبب في تكاليف ومخاطر للنمو، مما يستدعي اتخاذ تدابير إضافية لمواءمة التضخم مع أهداف البنك المركزي. ويتطلب ذلك سياسات دقيقة في الأسعار والدخل، بالإضافة إلى مراقبة دقيقة للتطورات الاقتصادية العالمية.
نظرة مستقبلية للاقتصاد التركي
يبقى مستقبل السياسة الاقتصادية في تركيا مرتبطاً بالقدرة على الحفاظ على الاستقرار المالي ومكافحة التضخم. من المتوقع أن يستمر البنك المركزي التركي في اتباع سياسة نقدية انكماشية، مع التركيز على الحفاظ على أسعار فائدة حقيقية إيجابية.
سيراقب المستثمرون والمحللون عن كثب التطورات في الأسواق الناشئة، بما في ذلك تركيا، في الأشهر المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر الجيوسياسية والتقلبات في أسعار السلع الأساسية. الخطوة التالية ستكون مراجعة صندوق النقد الدولي لسياسات تركيا في الربع الأول من عام 2026، حيث سيتم تقييم التقدم المحرز وتحديد التحديات المتبقية.












