كشفت دراسة حديثة تعتمد على تحليل الحمض النووي القديم أن تاريخ القطط المنزلية في أوروبا يختلف عما كان يُعتقد سابقًا. وأظهرت النتائج أن القطط لم تصل إلى أوروبا إلا قبل حوالي ألفي عام، وأن أصولها تعود إلى القطط البرية في شمال أفريقيا، وليس إلى سلالة نشأت في الشرق الأدنى خلال العصر الحجري الحديث كما كان يُفترض.
نُشرت الدراسة في مجلة “ساينس” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتوضح أن انتشار القطط المنزلية في أوروبا كان مرتبطًا بشكل كبير بحركة الجيوش والتجارة الرومانية، حيث وصلت إلى بريطانيا في القرن الأول الميلادي. هذا الاكتشاف يعيد كتابة الفصول الأولى من علاقة الإنسان بالقطط في القارة الأوروبية.
تتبع خطوط نسب القطط
حلل الباحثون 87 جينومًا لقطط قديمة وحديثة كجزء من مشروع بحثي أوسع يسمى “فيليكس”. وشمل التحليل 70 جينومًا منخفض التغطية من عينات أثرية تغطي أكثر من 10 آلاف عام، بالإضافة إلى 17 جينومًا عالي التغطية لقطط برية من أوروبا وشمال أفريقيا والأناضول. هذا التحليل الشامل سمح بتحديد مسارات الهجرة والتطور للقطط.
وفقًا للنتائج، فإن القطط التي وُجدت في أوروبا وتركيا في وقت مبكر كانت في الواقع قططًا برية أوروبية، وليست سلالة منزلية مستقرة. ما تم رصده في تلك الفترة كان أشكالًا من الهجينة بين السلالات البرية المحلية والوافدة. هذا يوضح أن عملية الاستئناس لم تكن فورية أو موحدة.
ومع وصول القطط ذات الأصل الشمال أفريقي، بدأت في الانتشار بسرعة عبر طرق الإمبراطورية الرومانية، لتثبت وجودها في معظم أنحاء القارة. هذا الانتشار يوضح الدور الذي لعبته الحضارات القديمة في توزيع الحيوانات عبر مناطق جغرافية واسعة.
لغز القطط السردينية
كشفت الدراسة أيضًا عن لغز إقليمي في جزيرة سردينيا الإيطالية. أظهر التحليل الجيني أن القطط البرية السردينية، القديمة والحديثة على حد سواء، أقرب جينيًا إلى القطط البرية في شمال أفريقيا منها إلى القطط المنزلية. وهذا يشير إلى أن البشر ربما نقلوا قططًا برية إلى الجزيرة في الماضي.
يعتقد الباحثون أن هذا النقل قد يكون حدثًا عرضيًا أو متعمدًا، وأن التجمعات الحالية من القطط البرية في سردينيا ليست مجرد أحفاد لقطط منزلية عادت إلى البرية. هذا يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى فهمنا لتاريخ القطط في المنطقة.
البصمة الجينية والاستئناس
يؤكد كلوديو أوتوني، المؤلف المشارك في الدراسة، أن هذه النتائج توفر إطارًا أوضح لتتبع خطوط النسب وحركة السلالات عبر الزمن، ولفصل ظاهرة الهجنة عن الاستئناس المنزلي بمعناه البيولوجي والسلوكي. الاعتماد على العظام وحدها لتمييز القطط المنزلية من البرية كان يمثل تحديًا بسبب التشابه الشكلي الكبير بينهما.
ويشير أوتوني إلى أن هذه الدراسة لا تلغي تعقيد تاريخ القطط، فالسمات السلوكية التي قربتها من الإنسان، مثل صيد القوارض والتسامح مع القرب البشري، نمت تدريجيًا. كما أن اختلاط السلالات ظل قائمًا عبر آلاف السنين. ومع ذلك، فإن البصمة الجينية الواضحة للقط المنزلي لا تظهر في أوروبا إلا بعد وصول السلالة ذات الأصل الشمال أفريقي.
تفتح هذه النتائج الباب أمام المزيد من الأبحاث لتوسيع قاعدة العينات جغرافيا وزمانيًا، وتدقيق العلاقة بين تحركات البشر، خاصة الرومان، وتوزيع السلالات القططية. من المتوقع أن يتم نشر المزيد من الدراسات التفصيلية حول هذا الموضوع في عام 2025، وربما تساهم في تحديد المناطق التي شهدت أولى محاولات استئناس القطط.
في الختام، تقدم هذه الدراسة رؤية جديدة لتاريخ القطط المنزلية في أوروبا، وتؤكد على أهمية شمال أفريقيا كموطن أصلي لهذه الحيوانات. لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة، ولكن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة نحو فهم كامل لتاريخ علاقة الإنسان بالقطط.













