شهدت بولندا احتجاجات واسعة النطاق من قبل المزارعين في أكثر من 180 موقعًا على مستوى البلاد، تعبيرًا عن قلقهم العميق حيال اتفاقية التجارة المقترحة بين الاتحاد الأوروبي ودول “ميركوسور” (الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي). وتشمل هذه الاحتجاجات اعتصامات على الطرق الرئيسية وتجمعات أمام المباني الحكومية، حيث يخشى المزارعون من تأثيرات سلبية محتملة على القطاع الزراعي البولندي، بما في ذلك انخفاض أسعار المنتجات الزراعية المحلية. هذه الاحتجاجات المتعلقة بـ اتفاقية ميركوسور تعكس توترات أوسع حول سياسات التجارة الزراعية في أوروبا.
بدأت الاحتجاجات في أواخر فبراير واستمرت خلال الأسبوع الأول من مارس، وتستهدف بشكل مباشر الحكومة البولندية والاتحاد الأوروبي. ويطالب المزارعون بتدابير لحماية الإنتاج الزراعي المحلي وضمان بقاء معايير الجودة عالية. وتأتي هذه التحركات في وقت يشهد فيه القطاع الزراعي الأوروبي ضغوطًا متزايدة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتغير المناخ.
مخاوف المزارعين البولنديين من اتفاقية ميركوسور
تتركز مخاوف المزارعين حول إمكانية تدفق كميات كبيرة من المنتجات الغذائية الأرخص من دول “ميركوسور” إلى السوق الأوروبية. يعتقدون أن هذا التدفق قد يؤدي إلى إغراق السوق وخفض أسعار المنتجات البولندية، مما يهدد سبل عيشهم واستدامة مزارعهم. ويرى المحتجون أن دول “ميركوسور” لا تلتزم بنفس معايير السلامة الغذائية والرفق بالحيوان المطبقة في الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدي إلى منافسة غير عادلة.
مطالب المزارعين الرئيسية
بالإضافة إلى حماية السوق من الواردات الرخيصة، يطالب المزارعون البولنديون بمزيد من الدعم المالي من الحكومة. ويشمل ذلك زيادة الإعانات الزراعية وتوفير قروض ميسرة لمساعدتهم على مواجهة التحديات الاقتصادية. كما يطالبون بتبسيط الإجراءات التنظيمية والإدارية التي تعيق عملهم، وتقليل الأعباء الضريبية المفروضة عليهم.
ويؤكد المزارعون على ضرورة فرض ضمانات صارمة ضد الواردات المفرطة من دول “ميركوسور”، مثل تحديد حصص استيراد أو تطبيق رسوم جمركية إضافية. ويرون أن هذه الضمانات ضرورية لحماية الإنتاج المحلي والحفاظ على الأمن الغذائي في بولندا وأوروبا بشكل عام. وتشمل المطالب أيضًا معالجة قضايا تتعلق بـ السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي.
تأتي هذه الاحتجاجات في سياق أوسع من التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا اللاتينية. فمنذ سنوات، تجري مفاوضات بشأن اتفاقية تجارية شاملة بين الجانبين، لكنها واجهت صعوبات بسبب الخلافات حول قضايا مثل الزراعة وحقوق الملكية الفكرية. وتعتبر بولندا من بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعرب عن تحفظاتها بشأن الاتفاقية، وتطالب بإجراء تعديلات لحماية مصالحها الزراعية.
ويرى بعض الخبراء أن مخاوف المزارعين البولنديين مبررة، وأن اتفاقية “ميركوسور” قد يكون لها تأثير سلبي على القطاع الزراعي الأوروبي. ويشيرون إلى أن دول “ميركوسور” لديها ميزة تنافسية كبيرة في إنتاج بعض السلع الزراعية، مثل اللحوم والدواجن والذرة، بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج لديها. ومع ذلك، يرى آخرون أن الاتفاقية يمكن أن توفر فرصًا جديدة للصادرات الأوروبية إلى أمريكا اللاتينية، وأنها يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي في كلا الجانبين. وتشير بعض التحليلات إلى أن التبادل التجاري قد يشهد تغييرات كبيرة.
وقد ردت الحكومة البولندية على الاحتجاجات بتأكيد التزامها بدعم المزارعين وحماية مصالحهم. وأعلن وزير الزراعة البولندي عن نيته إجراء محادثات مع المزارعين للاستماع إلى مطالبهم والبحث عن حلول ترضي جميع الأطراف. كما أكد على أن بولندا ستعمل مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي لضمان أن تكون اتفاقية “ميركوسور” عادلة ومتوازنة.
من جهته، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنه يدرك مخاوف المزارعين، وأن المفاوضات مع دول “ميركوسور” لا تزال جارية. وأكد على أن الاتحاد الأوروبي لن يوقع على أي اتفاقية لا تحترم معاييره البيئية والاجتماعية والصحية. ويؤكد الاتحاد الأوروبي على أهمية الأمن الغذائي في المنطقة.
في الوقت الحالي، لا يزال مستقبل اتفاقية “ميركوسور” غير واضح. فقد أدت الاحتجاجات في بولندا إلى تعليق المفاوضات مؤقتًا، ومن المتوقع أن تستأنف في وقت لاحق من هذا العام. ومع ذلك، فإن فرص التوصل إلى اتفاق نهائي تعتمد على قدرة الجانبين على التغلب على الخلافات القائمة وإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف. ويجب مراقبة ردود فعل الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا، اللتين لديهما أيضًا مصالح زراعية كبيرة.
من المتوقع أن يستمر الجدل حول اتفاقية “ميركوسور” في الأيام والأسابيع القادمة، وأن تشهد بولندا المزيد من الاحتجاجات والمظاهرات. وستراقب الحكومات والمنظمات الزراعية عن كثب تطورات الوضع، وتقييم تأثيرها المحتمل على القطاع الزراعي الأوروبي. الخطوة التالية الحاسمة ستكون نتائج المحادثات بين الحكومة البولندية والمزارعين، وما إذا كانت ستؤدي إلى تهدئة الاحتجاجات أو تصعيدها.












