لم يعد القلق من فقدان الوظيفة مصدراً للتوتر بالنسبة للعاملين في المكاتب في الولايات المتحدة فقط، بل أصبح واقعاً يهدد استقرارهم مع قرب نهاية عام 2025. تشير التقارير إلى أن تباطؤ وتيرة التوظيف، إلى جانب عمليات التسريح المتزايدة التي تشهدها الشركات، و التطور السريع في استخدام الذكاء الاصطناعي كبديل عن العمالة البشرية، قد أدت إلى حالة من عدم اليقين لدى هذه الفئة من العاملين.
وبحسب تقرير موسع نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن هذا الشعور بالقلق لم يعد محصوراً في القطاعات التقليدية المعرضة للتقلبات، بل امتد ليشمل الموظفين ذوي المهارات العالية في مختلف المجالات المكتبية. وتزايدت المخاوف نتيجة لعدة عوامل متداخلة أدت إلى تغييرات جذرية في سوق العمل.
فقدان الوظيفة في القطاع المكتبي: اتجاه مقلق
تظهر بيانات وزارة العمل الأمريكية، والتي اعتمدت عليها وول ستريت جورنال، ارتفاعاً في معدل البطالة بين حاملي الشهادات الجامعية ممن تبلغ أعمارهم 25 عاماً أو أكثر، حيث سجل 2.9% مقارنة بـ 2.5% في العام السابق. على الرغم من أن هذا المعدل لا يزال منخفضاً تاريخياً، إلا أن الاتجاه الصاعد يثير قلقاً واسعاً.
وقد تعزز هذا القلق مع تقلص فرص العمل في قطاعات رئيسية مثل قطاع المعلومات والأنشطة المالية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين. ويشير هذا إلى أن التحديات التي تواجه سوق العمل تتجاوز مجرد التباطؤ الاقتصادي العام.
وبحسب استطلاع رأي أجرته بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، فإن نسبة العاملين ذوي الشهادات الجامعية الذين يتوقعون فقدان وظائفهم خلال العام المقبل ارتفعت إلى 15%، مقارنة بـ 11% قبل ثلاث سنوات. هذا التحول اللافت يجعل هذه الفئة أكثر تشاؤماً بشأن مستقبلهم الوظيفي، بعد أن كانت تاريخياً تتمتع بأعلى مستويات الاستقرار.
تأثير الذكاء الاصطناعي والتضخم
يتقاطع هذا القلق الوظيفي مع حالة عامة من التشاؤم الاقتصادي، حيث يقترب مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك من أدنى مستوياته على الإطلاق. ويعود ذلك بشكل كبير إلى استمرار التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية، مثل السكن والرعاية الصحية. سوق العمل يشهد تقلبات غير مسبوقة.
وتشير وول ستريت جورنال إلى أن موظفي المكاتب، الذين كانوا يُعتبرون لفترة طويلة فئة محصنة نسبياً، يشعرون الآن بأنهم جزء من موجة عدم الاستقرار الأوسع التي تجتاح الاقتصاد. التوظيف يواجه تحديات كبيرة.
ويؤكد جاي بيرغر، كبير الاقتصاديين في معهد برنينغ غلاس، أن هذه المخاوف “مفهومة تماما في ضوء الأخبار السائدة”، موضحاً أن العثور على وظيفة بديلة قد يكون أصعب وأكثر استغراقاً للوقت من ذي قبل.
القلق ينتشر إلى القطاع الحكومي
لا تقتصر هذه الظاهرة على القطاع الخاص وحده، بل امتدت لتشمل القطاع الحكومي أيضاً. فقد أظهرت البيانات الحكومية التي نشرتها وول ستريت جورنال انخفاضاً في التوظيف الفيدرالي بحوالي 6 آلاف وظيفة في شهر نوفمبر، بعد خسارة كبيرة بلغت 162 ألف وظيفة في شهر أكتوبر نتيجة لبرامج التقاعد الاختياري. الوظائف أصبحت أقل أماناً.
وعلى الرغم من أن حاملي الشهادات الجامعية لا يزالون يحصلون على أجور أعلى مقارنة بغيرهم، إلا أن وول ستريت جورنال تستنتج أن سوق العمل الأمريكي يدخل مرحلة جديدة، أقل تسامحاً وأكثر تنافسية. الأجور قد تتأثر بهذا التغيير.
فبعد سنوات من الطلب المتزايد على الكفاءات المكتبية، أصبح الحفاظ على الوظيفة أولوية قصوى، في ظل اقتصاد يعيد ترتيب أولوياته تحت ضغط الذكاء الاصطناعي والتضخم والتحولات الهيكلية العميقة.
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في الأشهر القادمة، مع استمرار الشركات في تقييم احتياجاتها الوظيفية وتبني تقنيات جديدة. سيراقب الخبراء عن كثب مؤشرات التوظيف والتضخم، بالإضافة إلى التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، لتقييم مدى تأثيرها على مستقبل سوق العمل. يبقى التحدي الأكبر هو مساعدة العمال على التكيف مع هذه التغييرات واكتساب المهارات اللازمة للنجاح في الاقتصاد الجديد.












