طرابلس – أثار قرار صادر عن جهاز حماية الآداب شرق ليبيا بتقييد تصوير الأنشطة النسائية إلا بموافقة مسبقة، جدلاً واسعاً حول مفهوم “الآداب العامة” وتأثيره على الحريات الشخصية وحقوق المرأة. القرار، الذي يهدف ظاهرياً إلى الحفاظ على القيم المجتمعية، أثار مخاوف من تقييد حرية التعبير والعمل، خاصة في القطاعات الإبداعية والرقمية. هذا التقييد يثير تساؤلات حول حدود السلطة في تنظيم الحياة العامة وتأثير ذلك على التطور الاجتماعي والاقتصادي.
الجدل المحيط بالقرار يرتكز على التوازن بين حماية القيم المجتمعية وضمان الحقوق الأساسية للمرأة، بما في ذلك الحق في العمل والتعبير عن الذات. العديد من المراقبين يرون أن القرار قد يكون له آثار سلبية على صانعات المحتوى والنساء العاملات في مجالات تعتمد على التسويق الرقمي، بينما يرى آخرون أنه ضروري للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي.
الخلفية القانونية والاجتماعية لتقييد التصوير
وفقاً لمصادر قانونية، فإن القرار يستند إلى تفسيرات فضفاضة لمفاهيم “الآداب العامة” و”الذوق العام” الموجودة في بعض القوانين الليبية. ومع ذلك، يرى خبراء قانونيون أن هذه التفسيرات تفتقر إلى الدقة والوضوح، وقد تؤدي إلى تعسف في تطبيق القانون. أشارت جازية شعيتير، أستاذة القانون بجامعة بنغازي، إلى أن القرار يفتقر إلى سند تشريعي صريح، ويعتمد على نصوص عامة يمكن تأويلها بشكل مختلف.
من الناحية الاجتماعية، يعكس القرار وجود تيارات محافظة في المجتمع الليبي تسعى إلى فرض قيود على حرية المرأة والتعبير عن الذات. هذه التيارات غالباً ما تستند إلى تفسيرات دينية أو ثقافية تقليدية للآداب العامة. في المقابل، هناك قوى أخرى في المجتمع تدعو إلى التحديث والانفتاح، وتؤكد على أهمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
تأثير القرار على النساء العاملات في القطاعات الإبداعية
القرار يثير قلقاً خاصاً بين النساء العاملات في القطاعات الإبداعية، مثل الإعلام والفن والتسويق الرقمي. هؤلاء النساء غالباً ما يعتمدن على التصوير والفيديو في عملهن، وقد يجدن صعوبة في الحصول على التصاريح اللازمة لتصوير أنشطتهن. وفاء الشريف، الناطقة باسم مشروع “ملتقى رائدات ليبيا”، ترى أن تنظيم عمليات التصوير يجب ألا يكون إجراءً إقصائياً، بل آلية لحماية خصوصية المرأة ومنع أي انتهاك محتمل.
ومع ذلك، يرى البعض أن اشتراط التصريح المسبق غير واقعي، خاصة في ظل طبيعة العمل الرقمي التي تتطلب الإنتاج السريع والتفاعل المستمر مع الأحداث. سدوس الجهمي، الصحفية ومديرة منظمة “هيروفيل”، وصفت القرار بـ”المقلق”، وحذرت من أنه قد يؤدي إلى تضييق الخناق على حرية التعبير والإبداع.
الآداب العامة والذوق العام: حدود التعريف والتطبيق
أحد أهم التحديات التي تواجه تطبيق هذا القرار هو تحديد مفهومي “الآداب العامة” و”الذوق العام”. هذه المفاهيم غالباً ما تكون ذاتية وتختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر. من يملك حق تعريف هذه المفاهيم؟ وما هي المعايير التي يجب أن يعتمد عليها هذا التعريف؟
يرى خبراء قانونيون أن تحديد هذه المفاهيم يجب أن يتم من خلال تشريع واضح وصريح، يصدر عن السلطة التشريعية المنتخبة. كما يجب أن يتم هذا التعريف بمشاركة واسعة من مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك النساء وصانعات المحتوى. يجب أن يكون التعريف متوافقاً مع الدستور الليبي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها ليبيا.
الجدل حول هذا القرار يعكس أيضاً صراعاً بين نماذج مختلفة في فهم الفضاء العام. هناك نموذج محافظ يرى أن الفضاء العام يجب أن يخضع لقيود صارمة لحماية القيم التقليدية، ونموذج آخر أكثر انفتاحاً يرى أن الفضاء العام يجب أن يكون مكاناً للتعبير عن الذات والتنوع الثقافي. هذا الصراع يتطلب حواراً بناءً ومقاربة متوازنة تأخذ في الاعتبار جميع وجهات النظر.
من المتوقع أن يشهد هذا القرار تطورات قانونية واجتماعية في الأيام والأسابيع القادمة. من المرجح أن يتم الطعن في القرار أمام المحاكم، وأن تواصل منظمات المجتمع المدني الضغط من أجل تعديله أو إلغائه. كما من المتوقع أن يستمر الجدل حول مفهومي “الآداب العامة” و”الذوق العام” في المجتمع الليبي. المستقبل سيحمل إما تراجعاً عن هذا القرار لصالح الحريات، أو تصعيداً في القيود المفروضة على المرأة والتعبير عن الذات، وهو ما يستدعي مراقبة دقيقة ومتابعة مستمرة.













