اختر منطقتك 
كشف تقرير حديث عن آلية معقدة تستخدمها إيران للالتفاف على العقوبات الجوية الغربية والدولية، حيث حولت قطاع الطيران المدني إلى أداة استراتيجية لدعم اقتصادها وتوسيع نفوذها الإقليمي. ويسلط التقرير الضوء على شبكة واسعة من الشركات الوهمية ومسارات الطيران السرية التي تُستخدم لنقل الأسلحة والمواد، بالإضافة إلى دعم العمليات العسكرية السرية.
يُظهر التقرير، الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، أن إيران بنت منظومة متقنة تتضمن تسجيل الطائرات في دول ذات قوانين شفافة بشكل محدود، واستخدام مسارات طيران مُعدّة بعناية، وحتى إعلان هبوط اضطراري وهمي لدخول الأراضي الإيرانية. هذه الممارسات تعكس اقتصادًا ظل واسعًا داخل إيران، قادرًا على مواجهة القيود الدولية.
العقوبات الجوية وتأثيرها على الطيران المدني الإيراني
فرضت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، عقوبات صارمة على قطاع الطيران الإيراني بهدف منع وصول التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج إلى المؤسسات العسكرية والأمنية الإيرانية. ومع ذلك، يرى التقرير أن هذه العقوبات لم تحقق الهدف المنشود بشكل كامل، بل دفعت إيران إلى تطوير طرق أكثر تعقيدًا للالتفاف عليها.
تتضمن العقوبات الأمريكية حظر بيع أو تأجير أو صيانة الطائرات والمكونات لإيران، بالإضافة إلى تطبيق قاعدة “الحد الأدنى” التي تعتبر أي منتج يحتوي على نسبة معينة من المكونات الأمريكية خاضعًا للعقوبات. هذا الأمر أدى إلى صعوبات كبيرة في الحصول على قطع الغيار وخدمات الصيانة اللازمة للطائرات الإيرانية.
تدهور الأسطول الإيراني
أدت العقوبات إلى تدهور كبير في حالة الأسطول الإيراني، حيث أصبحت نسبة كبيرة من الطائرات خارج الخدمة بسبب نقص الصيانة وارتفاع متوسط عمر الطائرات. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 60% من الطائرات المدنية الإيرانية غير صالحة للطيران بحلول عام 2025، وأن متوسط عمر الأسطول يتجاوز 28 عامًا، وهو ما يزيد بشكل كبير عن المتوسط العالمي.
نتيجة لذلك، لجأت شركات الطيران الإيرانية إلى تفكيك الطائرات المتوقفة لاستخدامها كمصدر لقطع الغيار، وهو ما يمثل تحديًا إضافيًا لسلامة الطيران.
آليات الالتفاف على العقوبات
يعتمد النظام الإيراني على شبكة معقدة من الشركات الوهمية والوسطاء في دول مختلفة لتسهيل عمليات شراء وتهريب الطائرات وقطع الغيار، وفقًا للتقرير. تشمل هذه الدول روسيا والصين، بالإضافة إلى دول أخرى مثل غامبيا ومدغشقر وكينيا وجنوب أفريقيا وناميبيا وكمبوديا وميانمار وأوكرانيا وطاجيكستان ومنغوليا.
تتضمن هذه الممارسات تسجيل الطائرات في شركات مدنية، ثم إعادة تسجيلها تجاريًا في دول أخرى، وتنفيذ رحلات جوية مُصممة للمرور فوق المجال الجوي الإيراني، قبل إعلان “عطل طارئ” والهبوط داخل الأراضي الإيرانية. هذه العمليات تتم بسرعة كبيرة للاستفادة من الثغرات في الرقابة الدولية.
يُشار إلى أن إيران تستخدم هذه الشبكة ليس فقط للحفاظ على قطاع الطيران المدني، بل أيضًا لنقل الأسلحة والدعم اللوجستي إلى حلفائها الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان والميليشيات في العراق، بالإضافة إلى شحنات إلى دول مثل السودان وفنزويلا.
الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية الشاملة
ويرى التقرير أن قطاع الطيران الإيراني أصبح جزءًا لا يتجزأ من الإستراتيجية الأمنية والاقتصادية الإيرانية، حيث يساهم في دعم العمليات العسكرية السرية، وتوفير غطاء اقتصادي يعزز صمود النظام في مواجهة العقوبات.
على الرغم من استمرار العقوبات الدولية، يرجح المعهد أن النظام الإيراني سيواصل تطوير قدراته في الالتفاف على هذه العقوبات، وذلك من خلال توسيع شبكة الشركات الوهمية ومسارات الطيران السرية. ويبدو أن الاقتصاد الإيراني قد أصبح قادرًا على بناء شبكات ظل مالية وتجارية تمتد عبر قارات متعددة.
تجديد آلية “سناب باك” وأثره المحدود
في أيلول/سبتمبر الماضي، أعاد مجلس الأمن تفعيل آلية “سناب باك” للعقوبات على إيران، بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وتجديد العقوبات، وتلاه قرار الدول الأوروبية الثلاث بتفعيل الآلية بسبب التجاوزات النووية الإيرانية. ومع ذلك، يرى التقرير أن هذا التطور لن يغير بشكل كبير من قدرة إيران على الالتفاف على العقوبات الجوية.
ويرجع ذلك إلى أن العقوبات الأمريكية الثانوية قد خلقت بالفعل رادعًا قويًا بين الشركات العالمية، مما دفعها إلى الامتناع عن التعامل مع السوق الإيرانية حتى قبل إعادة تفعيل العقوبات الأممية.
في الختام، من المتوقع أن يستمر قطاع الطيران الإيراني في لعب دور استراتيجي في سياسة إيران الخارجية، وأنه سيظل محورًا رئيسيًا لجهود الالتفاف على العقوبات الدولية. ويجب مراقبة التطورات المتعلقة بهذا القطاع عن كثب لتقييم فعالية العقوبات والآثار المترتبة على الأمن الإقليمي والدولي. الخطوة التالية ستكون تقييم مدى التزام الدول الأخرى بتطبيق العقوبات الجديدة وتحديد ما إذا كانت ستنجح في تقويض قدرة إيران على الالتفاف عليها.
