تثير الألوان اللامعة في الطبيعة فضول العلماء، فهي ظاهرة نادرة مقارنة بالألوان المطفأة. دراسة حديثة، نشرت في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، كشفت عن أن اللون اللامع يجذب الحشرات من بعيد، ولكنه قد يربكها عند الاقتراب، مما يمثل مقايضة بصرية معقدة. هذا الاكتشاف يلقي الضوء على استراتيجيات التواصل في عالم الحيوان، وله تطبيقات محتملة في مجالات مثل الزراعة والطاقة المتجددة.
أجرى باحثون في جامعة خرونخن الهولندية التجربة، حيث استخدموا أزهارًا صناعية لاختبار سلوك النحل الطنان. ركزت الدراسة على فهم سبب ندرة الألوان اللامعة في الطبيعة، وكيف ترى الحشرات هذه الألوان مقارنة بالبشر. النتائج الأولية تشير إلى أن هذه الظاهرة ليست عشوائية، بل تخضع لمنطق تطوري دقيق.
طبيعة الألوان اللامعة وتأثيرها على الحشرات
يوضح كاسبر فان دير كوي، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ البيولوجيا المساعد في جامعة خرونخن، أن معظم ألوان الكائنات الحية تبدو ثابتة من مختلف الزوايا. هذا الثبات مهم لأن الألوان غالبًا ما تعمل كإشارات في الطبيعة، مثل جذب الملقحات أو الإعلان عن التوافر للتزاوج. كلما كانت الإشارة أكثر وضوحًا وثباتًا، زادت فعاليتها.
الألوان اللامعة، على عكس ذلك، هي ديناميكية. يتغير لمعانها واتجاه البريق تبعًا لزاوية النظر ومستوى الإضاءة. هذا التغير يجعلها جذابة من مسافة بعيدة، ولكن قد يقلل من قدرة الحشرات على تحديد التفاصيل الدقيقة للزهرة عند الاقتراب.
أظهرت التجربة أن النحل الطنان ينجذب إلى الألوان اللامعة من مسافة أبعد مقارنة بالألوان المطفأة. ومع ذلك، عند الاقتراب، يصبح من الصعب عليه التمييز بين الأزهار اللامعة، مما قد يؤثر على كفاءة التلقيح. يشبه الباحث هذا التأثير بمحاولة قراءة نص تحت ضوء وامض، حيث يصعب التركيز على التفاصيل.
لماذا الألوان المطفأة هي الأكثر شيوعًا؟
تفسر الدراسة سبب ندرة الألوان اللامعة في الطبيعة. الألوان المطفأة توفر إشارة أكثر موثوقية ووضوحًا، خاصة في اللحظات الحاسمة مثل التلقيح أو اختيار شريك. هذا الوضوح يضمن دقة أكبر في التواصل، وهو أمر بالغ الأهمية لبقاء الأنواع.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون الألوان اللامعة أكثر تكلفة من حيث الطاقة لإنتاجها وصيانتها. لذلك، قد تكون الكائنات الحية قد تطورت لإنتاج ألوان مطفأة كاستراتيجية للحفاظ على الطاقة.
تطبيقات عملية محتملة
لا تقتصر أهمية هذه الدراسة على فهم سلوك الحشرات، بل تمتد لتشمل تطبيقات عملية في مجالات مختلفة. على سبيل المثال، يمكن استخدام هذه المعرفة لتصميم مصائد آفات أكثر فعالية، تعتمد على الألوان اللامعة لجذب الحشرات من مسافات بعيدة. هذا يمكن أن يقلل من الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية الضارة بالبيئة.
وفي مجال الطاقة المتجددة، يقترح الباحثون إجراء تعديلات على أسطح الألواح الشمسية لتقليل الانعكاسات أو تغيير نمط اللمعان. يمكن أن يمنع هذا الحشرات، وخاصة النحل، من الانجذاب إلى الألواح وتعطيل كفاءتها. تعتبر هذه مشكلة متزايدة في بعض المناطق، حيث يمكن أن يؤدي تراكم الحشرات على الألواح إلى انخفاض كبير في إنتاج الطاقة.
تتضمن الكلمات المفتاحية الثانوية المستخدمة في الدراسة أيضًا “التلقيح” و “التواصل البصري” و “البيولوجيا السلوكية”.
من المتوقع أن تجرى المزيد من الأبحاث في المستقبل القريب لاستكشاف استجابة أنواع مختلفة من الملقحات للألوان اللامعة. كما سيتم دراسة تأثير العوامل البيئية، مثل نوع الغطاء النباتي وزاوية الشمس، على هذه الاستجابة. من خلال فهم هذه العوامل بشكل أفضل، يمكننا تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لحماية الملقحات وتعزيز التنوع البيولوجي.
في الختام، تقدم هذه الدراسة رؤى جديدة حول العلاقة المعقدة بين الألوان والحشرات. النتائج تشير إلى أن اللون اللامع يمثل مقايضة بصرية، حيث يوفر جاذبية من مسافة بعيدة ولكنه قد يقلل من الوضوح عند الاقتراب. من المتوقع أن تؤدي هذه الاكتشافات إلى تطبيقات عملية في مجالات مثل الزراعة والطاقة المتجددة، مع التركيز على حماية الملقحات وتعزيز الاستدامة البيئية.













