القدس المحتلة- وسّع حزب الله اللبناني نطاق الهجمات الصاروخية على إسرائيل، وذلك رغم الضربات الجوية التي تلقاها من سلاح الجو الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت والتي أسفرت عن اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
وأطلق الحزب خلال 24 ساعة الماضية 15 رشقة صاروخية وصل مداها إلى منطقة تل أبيب الكبرى، بينما دوت صافرات الإنذار مرارا في أكثر من 100 بلدة إسرائيلية من حيفا حتى الحدود الشمالية مع لبنان ومستوطنات الجولان السوري المحتل، رافقتها أسراب من الطائرات المُسيرة المفخخة، مما أجبر نحو 3 ملايين إسرائيلي على البقاء قرب الملاجئ والغرف المحصنة.
وضربت صواريخ حزب الله المستوطنات والمواقع العسكرية للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وتسببت في أضرار وخسائر بالممتلكات والمنازل والمباني العامة، ونشوب عشرات الحرائق التي أتت على مساحات واسعة تقدر بآلاف الدونمات من المناطق الحرجية.
قصف وهجمات
يبلغ عدد الصواريخ التي أطلقت منذ اغتيال نصر الله نحو ألف صاروخ غير دقيق، معظمها قصيرة المدى، والاستثناء الوحيد كان الباليستية التي هاجمت المنطقة الساحلية تجاه تل أبيب، وذلك مباشرة بعد عملية الاغتيال ليلة الجمعة الماضية. وتتخوف إسرائيل من أن يسعى حزب الله للرد بنيران إستراتيجية، بحسب ما رصدته الجبهة الداخلية بجيش الاحتلال.
ودعما للبنان الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي وتأكيدا لوحدة الساحات، شنت المقاومة الإسلامية في العراق هجمات بالطائرات المُسيرة بالعمق الإسرائيلي وأعلنت قصف أهداف حيوية في تل أبيب ومدينة إيلات. ودوت صافرات الإنذار في مطار بن غوريون أثناء وجود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فيه بعد عودته من أميركا، عقب إطلاق جماعة الحوثي صاروخ أرض-أرض من اليمن.
وفي أعقاب هذه التطورات، أعلنت قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي الإبقاء على التقييدات المشددة في منطقة حيفا والجليل والجولان المحتل، مع تحديث التعليمات للجمهور لتشمل منطقة تل أبيب الكبرى، حيث تم حظر التجمهر في مناطق مفتوحة لأكثر من ألف شخص في وسط البلاد وجنوبها و”غلاف غزة”.
ودخل جيش الاحتلال في حالة تأهب قصوى، إذ يخشى سيناريو هجمات صاروخية باليستية كثيفة قد يشنها حزب الله وجبهات المساندة باليمن والعراق على المناطق المأهولة بالعمق الإسرائيلي، بينما أبدى المستوى السياسي في تل أبيب تخوفه من احتمال أن تقصف إيران بالصواريخ والمُسيرات المفخخة إسرائيل التي طلبت من واشنطن تعديل انتشار القوات الأميركية بالشرق الأوسط تحسبا للتصعيد.
حالة تأهب
وفي قراءة لطبيعة رد حزب الله المحتمل، قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل إنه من الأفضل التخفيف من فرحة النصر، وحتى عندما يصاب الحزب وإيران بالصدمة من هذه الخطوة المفاجئة يجب على إسرائيل الاستعداد لتصعيد محتمل في ردود أفعالهما، من شأنه أن يجبي ثمنا باهظا بعمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وقدّر أن رد الحزب قد يكون بإطلاق صواريخ ضخمة على شمال البلاد ومنطقة تل أبيب الكبرى، بالتوازي مع إطلاق صواريخ باليستية وطائرات من دون طيار من قبل الحوثيين و”المليشيات الشيعية” في سوريا والعراق، إضافة إلى احتمال شن هجمات على التجمعات الإسرائيلية في الخارج والجاليات اليهودية في العالم.
وأوضح هرئيل أنه مع إعلان اغتيال نصر الله تم إطلاق مئات الصواريخ، معظمها على الشمال والجليل والجولان، وصاروخين أرض-أرض، أحدهما من لبنان سقط في البحر، والآخر من اليمن تم اعتراضه، وقد دوت صافرات الإنذار في وسط البلاد، وهذا “مؤشر لما قد تتعرض له إسرائيل من هجمات صاروخية مكثفة من مختلف الساحات”.
وبرأيه، يعكس التغيير في تعليمات قيادة الجبهة الداخلية وإعلان حالة التأهب القصوى في مختلف المناطق بإسرائيل الخوف من تعرض مركز البلاد وتل أبيب لقصف صاروخي وهجوم بالمُسيرات، وعليه فإن جيش الاحتلال يستعد لجميع السيناريوهات.
تهديدات وتحديات
القراءة ذاتها استعرضتها الباحثة بالشؤون الإستراتيجية في مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أورنا مزراحي التي تعتقد أن اغتيال نصر الله يخلق تحديات من نوع جديد، قائلة إن “التهديدات التي تواجه إسرائيل لم تختف، بل تغيرت، وعليها أن تكون واعية ومستعدة لمواجهتها”.
ووفقا لها، ينبغي الأخذ بالاعتبار أن الحرب على حزب الله لم تنته بعد، ولا يزال الحزب يشكل قوة كبيرة تهدد إسرائيل من لبنان، فمع اغتيال نصر الله لم يختف كل قادته وعشرات الآلاف من عناصره.
وقدرت الباحثة أنه رغم الضربات التي تلقاها حزب الله فإنه بقي لديه ما يكفي من الأسلحة والقوة الصاروخية للاستمرار باستهداف العمق الإسرائيلي وقصفه، مشيرة إلى أن الأحداث الأخيرة التي استهدفت الحزب والهجمات على الضاحية الجنوبية لا تؤدي إلا إلى تعزيز الدافع لديه للتصعيد وإلحاق الضرر بإسرائيل.
والآن من دون المنطق المنظم الذي اعتمده نصر الله، فإن “إضعاف سلسلة القيادة في حزب الله يمكن أن يشجع العناصر التي تشعر بالاستقلال في الميدان على العمل وخلق نوع جديد من التحديات للجيش الإسرائيلي، وذلك في الوقت الذي يتعزز فيه احتمال الانتقام من قبل المحور الإيراني بمختلف مكوناته”، كما تقول الباحثة مزراحي.