في قلب بغداد القديمة، وتحديدًا في شارع المتنبي الشهير، تبرز مبادرة فريدة من نوعها تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة وتشجيعها بين مختلف فئات المجتمع. “مكتبة الحكمة”، وهي مكتبة صغيرة تقع في قبو متواضع، أصبحت ملاذًا للباحثين عن العلم والمعرفة، ورمزًا للأمل في مستقبل أكثر إشراقًا للعراق.
أهمية ثقافة القراءة في المجتمع العراقي
تأسست المكتبة على يد عدنان جعفر غني، البالغ من العمر 68 عامًا، الذي كرس حياته لخدمة القراءة. بدأ غني هذه المبادرة الفردية بدافع شغفه الشخصي بالكتب، ورغبته في جعل المعرفة متاحة للجميع، بغض النظر عن قدراتهم المادية. وعلى مدى ثلاثة عقود، تحولت “مكتبة الحكمة” إلى معلم ثقافي مؤثر يجذب القراء من مختلف الخلفيات.
يقدم غني الكتب بأسعار رمزية، وفي كثير من الأحيان، يقدمها مجانًا للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفها. هذه اللفتة الإنسانية تعكس إيمانه الراسخ بأن القراءة هي حق أساسي للجميع، وأنها السبيل الوحيد لتقدم الأفراد والمجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد المكتبة على تبرعات الكتب من الأفراد والمؤسسات، مما يساهم في تنوع محتواها وتلبية احتياجات القراء المختلفة.
مصادر الكتب وتنوعها
تتنوع مصادر الكتب في “مكتبة الحكمة” بين التركات التي يتركها أصحابها، والكتب التي يجلبها المسافرون، والتبرعات من المحتاجين، والمعارض التي تقام في العراق. كما أن هناك تبادلاً للكتب بين المكتبات المختلفة، مما يثري مجموعاتهم ويوسع نطاق وصولهم إلى القراء. ويؤكد غني أن المكتبة تحوي كل أنواع العلوم وبكل اللغات، من الطب إلى الكتب الشرعية، مما يجعلها وجهة شاملة للباحثين عن المعرفة.
يعتبر جاسم الشويلي، أحد زوار المكتبة الدائمين، أن هذه المبادرة “جيدة جدًا بالنسبة له وللمجتمع ككل”. ويضيف أن غني “يوزع الكتب على الناس مجانًا، ليس بناءً على الحالة المادية، بل كشيء مفيد للمجتمع بأسره”. هذا التقدير يعكس الأثر الإيجابي الذي تحدثه “مكتبة الحكمة” في حياة الناس، وتشجيعها على القراءة والمعرفة.
مبادرة شخصية لدعم الثقافة في شارع المتنبي
تأتي مبادرة غني في سياق جهود متزايدة للحفاظ على التراث الثقافي العراقي، وتعزيز دور شارع المتنبي كمركز ثقافي نابض بالحياة. يواجه المجتمع العراقي تحديات كبيرة في مجال الثقافة، بما في ذلك انتشار المحتوى الهابط على وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع الاهتمام بالقراءة في أوساط الشباب. ومع ذلك، فإن مبادرات مثل “مكتبة الحكمة” تبعث على الأمل في إمكانية التغلب على هذه التحديات، واستعادة مكانة العراق كمنارة للعلم والمعرفة.
ويرى صفي أحمد، أحد أصحاب المكتبات في شارع المتنبي، أن المجتمع العراقي يعاني من “أزمة ثقافة اجتماعية على كل الأصعدة”. ويؤكد على أهمية “عقد ندوات ثقافية في كل مكان لشرح أهمية الثقافة والمجتمع القارئ”. هذه الندوة تعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية الاستثمار في الثقافة، ودعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيزها.
تستقبل “مكتبة الحكمة” يوميًا أعدادًا متزايدة من الزوار، بمن فيهم طلاب الجامعات والمثقفون والقراء الشغوفون. هذا الإقبال الكبير يعكس حاجة ملحة لدى المجتمع العراقي إلى مساحات ثقافية آمنة ومتاحة، حيث يمكنهم تبادل الأفكار والمعرفة، والاستمتاع بجماليات الأدب والفنون. وتشكل هذه المكتبة الصغيرة نقطة جذب للباحثين عن الكتب النادرة والمطبوعات القديمة.
من المتوقع أن تستمر “مكتبة الحكمة” في تقديم خدماتها للمجتمع، وأن تلعب دورًا حيويًا في تعزيز ثقافة القراءة في العراق. ومع ذلك، فإن مستقبل هذه المبادرة يعتمد على استمرار الدعم المادي والمعنوي من الأفراد والمؤسسات. من الضروري متابعة تطورات هذه المبادرة، وتقييم أثرها على المجتمع، وتحديد أفضل السبل لضمان استدامتها على المدى الطويل.













