مع استمرار القتال في السودان، يبرز إقليم كردفان كمنطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة قد تعيد تشكيل مسار الحرب. ففي خضم المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تشهد مدن رئيسية في كردفان ضغوطًا متصاعدة، مما يجعل السيطرة عليها مفتاحًا للتأثير على مجريات الأمور في مناطق واسعة من البلاد.
يقع إقليم كردفان في قلب السودان، ويعتبر حلقة وصل جغرافية حيوية تربط بين ولايات دارفور ووسط وشرق البلاد. هذا الموقع الاستراتيجي، بالإضافة إلى أهمية طرق النقل والموارد الاقتصادية الموجودة فيه، يجعل من السيطرة على مدنه نقطة انطلاق للتمدد، أو نقطة ضعف قد تؤدي إلى الانكفاء. تُظهر الخرائط تحركات متزامنة للطرفين المتنازعين، مما يشير إلى أن المعركة لم تعد مقتصرة على الأطراف، بل تدور حول عقد استراتيجية قد تحدد مستقبل الصراع.
كردفان: مفترق طرق حاسم في الصراع السوداني
في جنوب الإقليم، تبرز مدينة هجليج كأحد النقاط الأكثر حساسية نظرًا لقربها من الحدود مع جنوب السودان. تعد هجليج مركزًا رئيسيًا لمعالجة وتصدير النفط، وخط الأنابيب الذي يربطها ببورتسودان على البحر الأحمر يمنحها أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة. السيطرة على هجليج لا تؤثر فقط على موازين القوى في الحرب، بل قد تكون ورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية.
بالانتقال إلى شمال كردفان، تخضع مدينة الأبيض – عاصمة الولاية – لاختبار حقيقي. الأبيض تمثل مفترق طرق رئيسي يربط غرب السودان بوسطه، كما أنها تلعب دورًا حاسمًا في الجانب الإنساني باعتبارها ممراً لمناطق تستقبل أعدادًا كبيرة من النازحين. بالنسبة للجيش السوداني، الحفاظ على الأبيض يعني منع قوات الدعم السريع من التمدد شرقًا، بينما تتيح السيطرة عليها للدعم فتح طريق أوسع نحو الخرطوم.
أهمية المدن الرئيسية الأخرى
جنوب شرق الأبيض، تظهر مدينة أم روابة كبؤرة توتر إضافية. تعتبر أم روابة خط إمداد حيويًا للأبيض، وتربط شمال كردفان بولاية النيل الأبيض ووسط البلاد. أي اضطرابات في أم روابة قد تؤدي إلى عزل الأبيض أو تسهيل تقدم قوات الدعم السريع. الأهمية الاستراتيجية لأم روابة تكمن في التحكم في تدفق الإمدادات والتعزيزات إلى الأبيض.
وفي جنوب كردفان، تتركز الاشتباكات في منطقة العباسية، وهي منطقة حساسة نظرًا لموقعها على خط التماس بين محاور قتال متعددة، بما في ذلك مدن الدلنج وكادوقلي. السيطرة على العباسية تعني التحكم في الطرق والممرات جنوب الولاية، مما يؤثر بشكل كبير على قدرة كلا الطرفين على المناورة وتأمين مواقعهم.
الوضع في كردفان يزداد تعقيداً مع تزايد التدخلات المحلية والإقليمية. وتشير التقارير إلى أن تصعيد القتال في الإقليم مرتبط بمحاولات أطراف مختلفة السيطرة على الموارد الاقتصادية والطرق التجارية. لكن بشكل عام، يتفق المراقبون على أن مصير إقليم كردفان سيكون له تأثير مباشر على مسار الحرب في السودان.
ويؤكد المحللون أن الصراع في كردفان لم يعد مجرد معركة مواقع، بل تحول إلى مواجهة على مفاصل جغرافية حاسمة. هذه المواجهات قد تحدد بشكل كبير اتجاه الحرب في السودان خلال الأشهر المقبلة، سواء من خلال تحقيق تقدم حقيقي لأحد الطرفين، أو من خلال الوصول إلى طريق مسدود يتطلب تدخلًا إقليميًا ودوليًا.
من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة مزيدًا من التصعيد في القتال بمدينة الأبيض، حيث تحاول قوات الدعم السريع اقتحام المدينة. في الوقت نفسه، من المرجح أن يستمر الجيش السوداني في محاولاته لتأمين منطقة هجليج واستعادة السيطرة على الطرق الرئيسية في جنوب كردفان. تطورات الأحداث في كردفان ستظل حاسمة في تحديد مستقبل السودان، ومع ذلك، تظل احتمالات التصعيد والجمود واردة، مما يجعل الوضع برمتة غير مؤكد.












