دمشق- تصاعدت الهجمات على الطريق الدولي دمشق-حلب في الأيام الأخيرة، مما أثار مخاوف أمنية وتساؤلات حول الجهات المسؤولة. فقد سُجّلت ثلاثة اعتداءات منفصلة خلال أقل من أسبوعين، استهدفت دوريات تابعة لقوات الأمن العام والجيش السوري والضابطة الجمركية، وأسفرت عن مقتل سبعة عناصر وإصابة آخرين. وتشير مصادر أمنية حكومية إلى تورط تنظيم الدولة الإسلامية في هذه الهجمات، في ظل محاولات مستمرة لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وقع أحدث هذه الاعتداءات الأحد الماضي، حيث استهدفت مجموعة مسلحة دورية تابعة لأمن الطرق في معرة النعمان بريف إدلب. وأفادت التقارير بمقتل أربعة عناصر وإصابة آخر بجروح خطيرة. يأتي هذا الهجوم بعد أسبوع من استهداف عناصر من الضابطة الجمركية في منطقة الزربة بريف حلب، وإصابة اثنين منهم، بالإضافة إلى اعتداء آخر على دورية تابعة لوزارة الدفاع بالقرب من جسر سراقب في إدلب.
تصعيد التوترات: تنظيم الدولة الإسلامية يتبنى المسؤولية عن الهجمات
أكد مصدر أمني في أمن الطرق بمعرة النعمان أن تنظيم الدولة الإسلامية يتبنى المسؤولية عن جميع العمليات التي تستهدف قوات الحكومة السورية. ووفقًا للمصدر، فإن التنظيم يسعى إلى إظهار قدرته على مواصلة نشاطه في البلاد، بعد فترة من التراجع. وشدد المصدر على أن هذه الهجمات تأتي في سياق جهود استخباراتية مكثفة لملاحقة عناصر التنظيم واعتقالهم.
وعلى الرغم من تراجع نفوذ تنظيم الدولة في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال يمثل تهديدًا أمنيًا في بعض المناطق السورية، خاصة تلك التي تشهد فراغًا أمنيًا أو صراعات مستمرة. ويعتبر طريق دمشق-حلب، وهو شريان حيوي للتجارة والنقل، هدفًا رئيسيًا للهجمات التي يشنها التنظيم، بهدف تعطيل حركة المرور وزعزعة الاستقرار.
تحليل أمني للأوضاع في سوريا
يرى الباحث في الشؤون العسكرية، رشيد حوراني، أن العمليات التي يقوم بها تنظيم الدولة تركز في المناطق التي كان يسيطر عليها سابقًا. وأشار إلى أهمية معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد إلى الانضمام إلى التنظيم، مثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. واقترح حوراني أن تحسين الواقع الاجتماعي والتنموي في المناطق المعرضة للخطر يمكن أن يساهم في الحد من قدرة التنظيم على تجنيد عناصر جديدة.
“علاقة تخادمية” بين أطراف معادية
وفي تحليل أعمق، يشير خبراء إلى وجود “علاقة تخادمية” معقدة بين تنظيم الدولة، والمليشيات الإيرانية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). يُعتقد أن هذه الأطراف، التي غالبًا ما تجد نفسها في مواجهة مشتركة مع الحكومة السورية، قد تستفيد من زعزعة الاستقرار في البلاد لتحقيق أهدافها الخاصة. يرى المحللون أن الهجمات المتصاعدة قد تكون محاولة لإضعاف الحكومة السورية وإظهارها بمظهر القوة الضعيفة، خاصة في ظل التحديات والأزمات التي تمر بها البلاد.
وتتسم المنطقة الشرقية في سوريا بضعف الأمن، مما يجعلها بيئة خصبة لعمليات تنظيم الدولة. ويعزى هذا الضعف إلى عدة عوامل، منها حداثة تواجد قوات الحكومة السورية في المنطقة، والمعرفة العميقة التي يتمتع بها التنظيم بتضاريسها ومحاور تحركه، بالإضافة إلى وجود قاعدة جماهيرية له في بعض المناطق.
ملاحقة فاعلة والردود الحكومية
ردت الحكومة السورية بقوة على هذه الهجمات، حيث أعلنت وزارة الداخلية عن تنفيذ عملية أمنية واسعة النطاق استهدفت خلايا تابعة لتنظيم الدولة في مختلف المحافظات. ونتج عن هذه العملية تفكيك العديد من الخلايا واعتقال عدد كبير من المطلوبين. وتؤكد الحكومة السورية التزامها بمكافحة الإرهاب وحماية أمن المواطنين.
وفي سياق متصل، أشارت تقارير إعلامية إلى تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في هذه العملية، حيث قامت القوات الأميركية باعتقال عدد من سكان تدمر يُشتبه في تورطهم في دعم تنظيم الدولة. يعكس هذا التعاون بين الحكومة السورية والتحالف الدولي رغبة مشتركة في التصدي لتهديد الإرهاب في البلاد.
ويبدو أن هناك تحولًا في الموقف الأميركي تجاه الحكومة السورية، حيث أبدت الإدارة الأميركية مؤخرًا استعدادها للتعاون معها في مكافحة الإرهاب. هذا التحول يعزى إلى عدة عوامل، منها التقدير المتزايد للدور الذي تلعبه الحكومة السورية في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، والحاجة إلى تنسيق الجهود لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة.
من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من التنسيق والتعاون بين الحكومة السورية والتحالف الدولي في مجال مكافحة الإرهاب. وسيركز هذا التعاون على تبادل المعلومات الاستخبارية، وتنفيذ العمليات المشتركة، وتحديد وتجفيف مصادر تمويل التنظيم. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الجهود، مثل تعقيد الوضع السياسي في سوريا، وتعدد الأطراف الفاعلة في الصراع، وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.













