كشفت دراسة حديثة أن الضغوط المالية قد تشكل خطراً كبيراً على صحة القلب، بل وقد تفوق في تأثيرها بعض الأمراض القلبية المعروفة. وأظهرت الأبحاث التي أجرتها مؤسسة “مايو كلينك” أن القلق المستمر المرتبط بالوضع الاقتصادي الصعب وصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية يمكن أن يؤدي إلى تسريع شيخوخة القلب وزيادة خطر الوفاة بشكل ملحوظ.
وأكدت الدراسة، التي استعرض نتائجها برنامج (مع الحكيم) على الجزيرة مباشر، أن هذه الضغوط لا تقتصر على تأثيرها النفسي، بل تمتد لتشمل تأثيرات بيولوجية ملموسة على القلب والأوعية الدموية. وتشير النتائج إلى أن العلاقة بين الحالة المالية والصحة القلبية أكثر تعقيداً مما كان يُعتقد سابقاً.
تأثير الضغوط المالية على الشيخوخة البيولوجية للقلب
اعتمدت الدراسة على تحليل بيانات تخطيط القلب لأكثر من 300 ألف شخص، مستخدمةً خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقدير العمر البيولوجي للقلب بدقة. هذا التقييم يختلف عن العمر الزمني للشخص، حيث يعكس مدى كفاءة القلب وقدرته على العمل.
وتبين أن الأفراد الذين يعانون من ضائقة مالية أظهروا قلوباً تبدو أكبر سناً من الناحية البيولوجية مقارنة بأقرانهم الذين يتمتعون باستقرار مالي. وقد ارتفع خطر الوفاة لديهم خلال فترة متابعة استمرت عامين بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تتجاوز المخاطر المرتبطة ببعض الحالات القلبية الأخرى.
عوامل مرتبطة بالضغوط المالية وتأثيرها على القلب
لم يقتصر البحث على تحديد العلاقة بين الضغوط المالية وصحة القلب، بل سعى أيضاً إلى تحديد العوامل الوسيطة التي تفسر هذه العلاقة. وتبين أن انعدام الأمن الغذائي يعتبر من أخطر هذه العوامل، حيث يزيد من خطر تسريع شيخوخة القلب.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن عدم الاستقرار السكني، مثل صعوبة دفع الإيجار أو التعرض لخطر الإخلاء، يرفع من خطر الوفاة بنسبة 18%. هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة من الإجهاد المزمن التي تؤثر سلباً على صحة القلب.
مسار خفي يؤدي إلى تدهور صحة القلب
ويشير الباحثون إلى أن الضغوط النفسية المزمنة، الناتجة عن القلق المالي، يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من التغيرات الفسيولوجية التي تضر بالقلب. وتشمل هذه التغيرات ارتفاع مستويات هرمونات التوتر، وزيادة ضغط الدم، وتدهور وظائف الأوعية الدموية.
كما أن صعوبة الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، والاعتماد على أنماط غذائية غير صحية بسبب القيود المالية، يمكن أن تزيد من تفاقم هذه المشكلات. هذه العوامل تعمل معاً لتشكيل “مسار خفي” يؤدي إلى إنهاك القلب وتدهور صحته بمرور الوقت.
توصيات للأطباء والمجتمع
بناءً على هذه النتائج، توصي الدراسة الأطباء بضرورة أخذ الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرضى في الاعتبار عند تقييم المخاطر الصحية المتعلقة بالقلب. ويجب أن يشمل هذا التقييم أسئلة حول الدخل، والأمن الغذائي، والاستقرار السكني، بالإضافة إلى العوامل التقليدية مثل ضغط الدم ومستويات الكوليسترول.
وتدعو الدراسة أيضاً إلى اتخاذ إجراءات مجتمعية لمعالجة الأسباب الجذرية للضغوط المالية، مثل الفقر، والبطالة، وعدم المساواة في الدخل. وتشمل هذه الإجراءات توفير شبكات أمان اجتماعي قوية، وزيادة فرص الحصول على التعليم والتدريب المهني، وتعزيز السياسات التي تدعم الأجور العادلة والظروف المعيشية اللائقة.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال لفهم الآليات الدقيقة التي تربط بين الضغوط المالية وصحة القلب. كما أن هناك حاجة إلى دراسات إضافية لتقييم فعالية التدخلات المختلفة التي تهدف إلى تخفيف هذه الضغوط وتحسين صحة القلب لدى الفئات الأكثر عرضة للخطر. وستكون نتائج هذه الدراسات حاسمة في تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية فعالة.













