يشكل استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي منعطفا جديدا في الحرب السودانية المستمرة منذ قرابة 3 سنوات، إذ قد تمهّد لوجود سلطة سودانية شبيهة بسلطة حفتر في شرق وجنوب ليبيا، وتغير شكل التركيبة السكانية في المنطقة.
وحول أسباب إخفاق الجيش السوداني في السيطرة على الفاشر، وسقوطها في يد قوات الدعم السريع، نشر مركز الجزيرة للدراسات تقدير موقف بعنوان “تحول الفاشر.. السودان بين التقسيم والتصعيد”.
أسباب سيطرة الدعم السريع على الفاشر
أشارت الدراسة إلى أن سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم وتحريرها من الدعم السريع ساهمت في إخراجه من مدينة الفاشر، إذ ركزت الحكومة على المدن الثلاث الرئيسية: الخرطوم رمز السيادة، وبورتسودان المنفذ التجاري للبلاد الذي يتحكم في 90% من التجارة الخارجية، والقضارف التي تعتبر بمثابة السلة الغذائية.
تمثل هذه المناطق عقدا إستراتيجية، لذلك خصصت لها الحكومة غالبية القوات العسكرية لحمايتها من قوات الدعم السريع، وأنشأت قواعد جوية جديدة في بورتسودان، ولم يتبقَّ له للدفاع عن إقليم دارفور إلا عدد قليل.
انتهز الدعم السريع نافذة انشغال الجيش السوداني بهذه المدن الثلاث، فركز عملياته في أقصى الغرب بإقليم دارفور، خاصة العاصمة الفاشر. تعد هذه المدينة القاعدة التقليدية لقوات الدعم السريع، لا سيما أن حميدتي ينتمي إلى دارفور، ويحظى هناك بقاعدة قبلية معتبرة.
حسابات متغيرة
نبهت الدراسة إلى أن سيطرة حميدتي على الفاشر وغالبية إقليم دارفور -الذي يمثل ربع مساحة السودان– قاعدة جغرافية لحكومته الموازية التي أعلن عن تشكيلها في أبريل/نيسان 2025، وسماها حكومة السلام والوحدة.
ورغم أن الحكومة لم تحظَ باعتراف دولي، فإن سيطرتها على إقليم كامل قد يحولها إلى سلطة فعلية تفرض وقائع وتدفع دولا للاعتراف بها في المستقبل أو للتعامل معها دون اعتراف.
ذكرت الدراسة إلى أن مساعي حميدتي للسيطرة على تلك الولايات قد غيّرت الحسابات، وامتدت إلى تغيير التركيبة السكانية لتغليب المكونات الموالية له لتكون حاضنته الآمنة، وتهجير المكونات الأخرى التي يعدها قاعدة اجتماعية للقوات المناوئة له.
سيناريوهات
وفي ما يتعلق بالمواجهة بين الطرفين في المرحلة القادمة وما ستشكله من أثر على الساحة السودانية، فإنها قد لا تخرج عن 3 سيناريوهات محتملة: الاحتفاظ بكردفان، وتمكن حميدتي من السيطرة على كردفان، واسترداد الجيش لإقليم دارفور قبل معركة كردفان.
السيناريو الأول هو الاحتفاظ بكردفان، وهو الأرجح لأن الدعم السريع لن تستطيع فرض حصار طويل عليها. إذا نجح الجيش في الاحتفاظ بكردفان، سينتج عن ذلك إما انكشاف دارفور أمام معارك الجيش المضادة لاستراد مدينة الفاشر، أو تجمد خطوط القتال، وتعزز احتمال ترسيخ سلطة حميدتي على إقليم دارفور.
السيناريو الثاني هو تمكن حميدتي من السيطرة على كردفان، وهو ضعيف لأنه سيضطر إلى تحمل تكاليف هائلة في أفراد قواته، ورفع أعدادها، والمخاطرة بخسارة الفاشر.
السيناريو الثالث هو استرداد الجيش لإقليم دارفور قبل معركة كردفان، وهو أضعف من السيناريو السابق، لأن الجيش يواجه معضلة لوجيستية في تأمين الإمدادات والدعم لجبهة دارفور وعاصمتها الفاشر.
ستظل الأوضاع في السودان غير مستقرة في ظل استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وما سيحدث في الأيام القادمة سيكون حاسما في تحديد مصير المنطقة.













