رام الله – تتجه السلطة الفلسطينية نحو تقليل الاعتماد على النقد في المعاملات التجارية والاقتصادية، في خطوة تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلة تراكم عملة الشيكل الإسرائيلي في البنوك الفلسطينية. ونشرت سلطة النقد الفلسطينية، وهي الجهة المسؤولة عن السياسة النقدية، مشروع قانون يحد من استخدام النقد، وفتحته أمام الرأي العام قبل إصداره بشكل نهائي من قبل الرئيس محمود عباس. يمثل هذا القانون تحولاً كبيراً في طريقة التعامل المالي في فلسطين، ويثير تساؤلات حول الجدوى والتحديات المحتملة.
ويهدف مشروع القانون، الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي، إلى تعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية وغير النقدية، وتقليل المخاطر المرتبطة بالتعاملات النقدية الكبيرة. وتأتي هذه الخطوة في ظل تزايد حجم النقد المتداول في السوق الفلسطيني، والذي يرى فيه خبراء اقتصاديون تحدياً للشفافية والاستقرار المالي.
نحو خفض استخدام النقد في فلسطين
ينص مشروع القانون على حظر الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها 20 ألف شيكل (ما يعادل حوالي 6 آلاف دولار أمريكي). ومع ذلك، يسمح القانون لسلطة النقد بتعديل هذا السقف بقرار يتضمن تنسيقاً مع وزارة المالية والجهات المعنية الأخرى. كما يحدد القانون غرامات مالية على المخالفين، تصل إلى 15% من قيمة المعاملة النقدية المخالفة.
وأكد يحيى شنّار، رئيس سلطة النقد، أن مشروع القانون تم إعداده بالتشاور مع مختلف الجهات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص، وأنه يستند إلى المعايير الدولية وأفضل الممارسات في هذا المجال. وأضاف أن الهدف الرئيسي هو تطوير بيئة مالية أكثر كفاءة وأماناً، وتشجيع التحول نحو الدفع الإلكتروني، مما يعود بالنفع على الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
أسباب إطلاق القانون
تأتي هذه الخطوة في ظل أزمة متفاقمة تتعلق بتكدس الشيكل الإسرائيلي في البنوك الفلسطينية. ووفقاً لمسؤولين في سلطة النقد، بلغت قيمة هذا التكدس حوالي 15 مليار شيكل، ويعزى ذلك إلى سياسات تقييدية تتبعها الحكومة الإسرائيلية، والتي تحد من قدرة البنوك الفلسطينية على الاحتفاظ بالشيكل في الخارج. ويؤثر هذا التكدس سلباً على الاقتصاد الفلسطيني، حيث يحد من قدرة البنوك على الإقراض والاستثمار.
ويعتبر الخبير المصرفي محمد سلامة أن القانون يهدف إلى تقنين التعاملات النقدية والسيطرة عليها، وتحفيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية. وأشار إلى أن ارتفاع نسبة النقد المتداول في الاقتصاد الفلسطيني يفوق الاحتياجات الفعلية، وأن تقليص الاعتماد على النقد يمكن أن يساهم في خفض التكاليف والمخاطر المرتبطة به. بالإضافة إلى ذلك، يربط سلامة بين ارتفاع نسبة الجريمة وتوفر النقد الفوري.
ونوه سلامة إلى أن مشروع القانون لا يمنع الأفراد أو المؤسسات من حيازة النقد أو إيداعه في البنوك، بل يركز على تنظيم المعاملات التجارية التي تتم باستخدام النقد. ويعتبر أن هذا القانون خطوة إيجابية نحو تطوير النظام المالي الفلسطيني وتحديثه.
إلا أن الدكتور نصر عطياني، الخبير الاقتصادي وأمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، أثار تساؤلات حول مدى جدوى القانون في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في التحكم بمفاصل الاقتصاد الفلسطيني. وأشار إلى أن الاحتلال يفرض قيوداً على حركة النقد، ويمنع إدخال بعض العملات، مما يعيق جهود السلطة الفلسطينية لتحسين النظام المالي.
التحديات المحتملة
أحد التحديات الرئيسية التي تواجه تطبيق هذا القانون هو البنية التحتية المصرفية الفلسطينية، والتي قد لا تكون مستعدة بالكامل للتعامل مع حجم كبير من المعاملات الإلكترونية. ويتطلب ذلك استثمارات كبيرة في تطوير الأنظمة الإلكترونية وتدريب الكوادر المصرفية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه القانون مقاومة من بعض التجار والأفراد الذين يفضلون استخدام النقد لأسباب مختلفة، مثل الخوف من التتبع المالي أو عدم الثقة في الأنظمة الإلكترونية. ويتطلب ذلك حملات توعية مكثفة لشرح فوائد الدفع الإلكتروني وتشجيع الناس على استخدامه.
وتشير التقديرات إلى أن معظم الإيداعات النقدية بالشيكل لا تتجاوز 20 ألف شيكل، مما يعني أن القانون قد يؤثر بشكل محدود على معظم المعاملات اليومية. ومع ذلك، يمكن أن يكون له تأثير كبير على المعاملات الكبيرة، مثل شراء العقارات أو السيارات.
في الختام، من المتوقع أن يناقش المجلس التشريعي الفلسطيني مشروع القانون خلال الأسابيع القادمة، وقد يتم إقراره وإصداره في نهاية العام الحالي. ويعتبر هذا القانون خطوة مهمة نحو تطوير النظام المالي الفلسطيني، ولكنه يواجه أيضاً العديد من التحديات التي يجب معالجتها لضمان نجاحه. وسيتطلب تطبيقه تعاوناً وثيقاً بين سلطة النقد والبنوك والقطاع الخاص والمواطنين.












