أثار اكتشاف أجسام بعيدة تُعرف باسم “النقاط الحمراء الصغيرة” بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي جدلاً واسعاً في الأوساط الفلكية. ظهرت هذه الأجسام الخافتة بأعداد كبيرة في صور الكون المبكر، مما دفع العلماء للبحث عن تفسير لطبيعتها الغامضة. وقد قدم عام 2025 تطوراً هاماً قد يمثل أول دليل ملموس لفهم هذا اللغز الكوني المتعلق بالـ النقاط الحمراء الصغيرة.
أعلن فريق دولي من علماء الفلك عن رصد ثقب أسود فائق الكتلة ينمو بوتيرة سريعة داخل مجرة “كانوكس- إل آر دي- زي (CANUCS-LRD-z8.6)”، وهي مجرة مصنفة ضمن فئة النقاط الحمراء الصغيرة. يعود تاريخ هذا الرصد إلى حوالي 570 مليون سنة بعد الانفجار العظيم، مما يجعله من أقدم الأجسام التي تم رصدها على هذا النحو.
اكتشاف يغير فهمنا للكون المبكر
هذا الاكتشاف غير المتوقع يمثل تحولاً في التصورات السائدة حول سرعة تشكل الثقوب السوداء والمجرات في المراحل الأولى من عمر الكون. وفقاً للباحثين، يشير هذا الرصد إلى أن بعض النقاط الحمراء الصغيرة قد لا تكون مجرد مجرات فتية، بل قد تكون مراكز نشطة لثقوب سوداء عملاقة في طور التكوين.
تفسيرات محتملة للظاهرة
تختبئ هذه الثقوب السوداء خلف سحب كثيفة من الغاز والغبار، مما يجعلها تبدو كنقاط حمراء خافتة في صور التلسكوب. هذا التفسير يفسر سبب صعوبة رصدها بشكل مباشر.
ومع ذلك، لا تزال هناك تفسيرات أخرى مطروحة. تشير بعض النظريات إلى أن هذه الأجسام قد تكون مجرات تشهد معدلات عالية من تكوين النجوم، أو قد تكون سحب غاز مرتبطة بالمادة المظلمة. لكن الربط المباشر بين النقاط الحمراء الصغيرة والثقوب السوداء يقدم أقوى دليل حتى الآن على طبيعتها.
الثقوب السوداء والنشأة الأولى للمجرات
يعتقد العلماء أن هذا الاكتشاف قد يلقي الضوء على العلاقة بين الثقوب السوداء الفائقة الكتلة وتطور المجرات. تشير الأبحاث إلى أن الثقوب السوداء تلعب دوراً حاسماً في تنظيم نمو المجرات وتشكيلها.
بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد هذا الرصد في فهم كيفية تطور الكون المبكر. فالكون المبكر كان أكثر كثافة ونشاطاً مما هو عليه اليوم، مما أدى إلى تكوين النجوم والمجرات بوتيرة أسرع. دراسة النقاط الحمراء الصغيرة يمكن أن توفر معلومات قيمة حول هذه الفترة الحاسمة في تاريخ الكون.
يؤكد الباحثون أن اللغز لم يحل بالكامل بعد، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لتأكيد هذه النتائج وتعميق فهمنا لهذه الأجسام الغامضة. تتطلب هذه الدراسات استخدام تلسكوبات أكثر قوة وتقنيات تحليل بيانات متطورة.
هذه الاكتشافات تشير إلى أن النقاط الحمراء الصغيرة قد تمثل المرحلة الأولى من نشوء المجرات العملاقة والثقوب السوداء التي نراها اليوم. وهكذا، تتحول تلك النقاط الحمراء الخافتة من مجرد ظاهرة غامضة إلى مفاتيح محتملة لفهم قصة الكون الأولى: كيف تشكلت المجرات؟ وكيف ولدت أضخم الثقوب السوداء؟ ولماذا كان الكون المبكر أكثر نشاطاً مما تخيلناه؟
في المستقبل القريب، يتوقع العلماء إجراء المزيد من الرصدات التفصيلية لهذه الأجسام باستخدام تلسكوب جيمس ويب وتلسكوبات أخرى. من المتوقع أيضاً تطوير نماذج حاسوبية جديدة لمحاكاة تكوين المجرات والثقوب السوداء في الكون المبكر. ستساعد هذه الجهود في اختبار النظريات الحالية وتطوير فهمنا للكون.
تعتبر دراسة المجرات البدائية، مثل تلك التي تظهر كـ النقاط الحمراء الصغيرة، من أهم أولويات علم الفلك الحديث. فمن خلال فهم أصول الكون، يمكننا أن نفهم مكاننا فيه بشكل أفضل.













