سراييفو – أعادت قضية “سياحة القناصة” خلال حصار سراييفو في التسعينيات إلى الواجهة، بعد فتح تحقيق في إيطاليا بشأن احتمال تورط مواطنين إيطاليين في دفع أموال مقابل المشاركة في قنص المدنيين في المدينة المحاصرة. وتثير هذه القضية مجدداً تساؤلات حول جرائم الحرب والمسؤولية عن العنف الذي استهدف المدنيين خلال تلك الفترة المأساوية، وتلقي الضوء على فصول مظلمة من حصار استمر لأكثر من 1400 يوم.
بدأ التحقيق الإيطالي بعد تقديم شكوى من الصحفي والروائي إيزيو غافازيني، مدعومة بشهادات ورسائل من رئيسة بلدية سراييفو السابقة بنيامينا كاريتش، بالإضافة إلى أدلة تشير إلى وجود شبكة منظمة كانت تسهل سفر أفراد من إيطاليا ودول أخرى للمشاركة في هذه الممارسات المشينة. وتتعلق الشكوى بـ”القتل المصحوب بقسوة ودوافع دنيئة”، وتستهدف تحديد هوية المتورطين وتقديمهم إلى العدالة.
تحقيق إيطالي يفتح ملف “سياحة القناصة” في سراييفو
يركز التحقيق الإيطالي حاليًا على تحديد الأفراد الذين سافروا إلى سراييفو خلال فترة الحصار، والذين يُشتبه في أنهم دفعوا مبالغ كبيرة لجيش صرب البوسنة مقابل السماح لهم بإطلاق النار على المدنيين. تشير التقديرات إلى أن القناصة كانوا يدفعون ما يعادل 100 ألف يورو يومياً، وأن تكلفة قنص الأطفال كانت أعلى من غيرهم، مما يثير مستوى إضافيًا من الصدمة والغضب.
وبحسب وسائل الإعلام الإيطالية، فقد كان العديد من المشتبه بهم من الأثرياء المنتمين إلى اليمين المتطرف، والذين كانوا يعشقون حمل السلاح. تركوا تريستي في شمال إيطاليا متوجهين إلى التلال المحيطة بسراييفو، حيث شاركوا في أعمال القنص التي أزهقت أرواح الأبرياء.
الكشف عن تفاصيل مروعة
تضمّنت الأدلة التي قدّمتها كاريتش شهادة جون جوردان، وهو رجل إطفاء أمريكي خدم مع قوة الأمم المتحدة للحماية في سراييفو، وشهد وصول “صيادين أجانب” إلى المنطقة. وقد أُدرجت هذه الشهادة في الملفات المقدمة لمحكمة لاهاي. بالإضافة إلى ذلك، يشير الفيلم الوثائقي “سفاري سراييفو” إلى هذه الممارسات، مما أثار اهتمامًا دوليًا واسعًا بالقضية.
تؤكد كاريتش أن هذه القضية لا تتعلق فقط بالجرائم الفردية، بل بمسألة منظمة استغلت مآسي الحرب لتحقيق مكاسب مادية. وتضيف أن فكرة توجيه الدفع مقابل إطلاق النار على المدنيين كشكل من أشكال الترفيه هي فكرة “مقلقة للغاية ومعادية للحضارة”.
وعلى صعيد آخر، أعلنت عضوة الكونغرس الأمريكي آنا باولينا لونا عن فتح تحقيق مماثل في الولايات المتحدة، للتأكد من عدم تورط أي مواطنين أمريكيين في هذه الأنشطة. وأكدت لونا على أن دفع المال لإطلاق النار على المدنيين، وخاصة الأطفال، هو أمر غير مقبول على الإطلاق.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 و15 شخصًا كانوا يقتلون أو يصابون يوميًا برصاص القناصة خلال حصار سراييفو، وأن 10% من إجمالي عدد الأطفال القتلى قضوا برصاصهم. هذه الأرقام المروعة تؤكد حجم المأساة التي عاشها سكان المدينة.
في سياق متصل، أعربت العديد من المنظمات الحقوقية عن دعمها للتحقيقات الجارية، وطالبت بتقديم جميع المتورطين في هذه الجرائم إلى العدالة. وأكدت هذه المنظمات على أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، وأن ضحايا سراييفو يستحقون الحقيقة والتعويض.
ما هو مستقبل التحقيق وماذا بعد؟
من المتوقع أن يستمر التحقيق الإيطالي في جمع الأدلة وتحديد هوية المتورطين، من خلال الاستماع إلى شهادات الشهود وتحليل الوثائق والبيانات المتاحة. وقد يطلب المحققون الإيطاليون التعاون مع السلطات البوسنية والأمريكية لتسهيل عملية التحقيق وتبادل المعلومات.
في البوسنة والهرسك، تستمر النيابة العامة في دراسة الأدلة المتاحة وجمع المزيد من الشهادات، لإمكانية فتح إجراءات قانونية ضد المتورطين في هذه القضية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه التحقيق المحلي، بما في ذلك صعوبة الحصول على المعلومات وتنسيق الجهود مع الجهات المعنية.
من المنتظر أن يصدر مكتب المدعي العام في ميلانو بيانًا رسميًا حول نتائج التحقيق في الأشهر المقبلة. وسيكون هذا البيان بمثابة نقطة تحول في هذه القضية، وربما يؤدي إلى توجيه اتهامات رسمية ضد المتورطين. يبقى من المبكر التكهن بالنتائج النهائية للتحقيقات الجارية، ولكن من الواضح أن قضية “سياحة القناصة” ستظل حاضرة في الذاكرة الجماعية لسراييفو، وستثير تساؤلات عميقة حول معنى الإنسانية والعدالة.













