تشهد الولايات المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد المرشحين المسلمين والعرب للوظائف السياسية، مدفوعًا بالنجاح الكبير للديمقراطي زهران ممداني في نيويورك في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أصبح أول عمدة مسلم للمدينة. هذا الصعود في التمثيل السياسي للمسلمين يمثل تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي الأمريكي، ويشير إلى تغيير في ديناميكيات المشاركة السياسية لهذه الشريحة من المجتمع.
وأطلق باسم الكرّة، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR)، على هذه الظاهرة اسم “تأثير ممداني”، مشيرًا إلى أنه شجع العديد من الأفراد على خوض الانتخابات، وأصبح المرشحون المسلمون أكثر ثقة بأن هويتهم لم تعد تشكل عائقًا أمام النجاح السياسي. هذا التحول يأتي في وقت يشهد فيه المجتمع المسلم الأمريكي تزايدًا في الوعي السياسي والرغبة في المشاركة الفعالة في العملية الديمقراطية.
شريحة مهمة في العملية السياسية
خلال انتخابات نهاية العام الماضي، فاز أكثر من 38 مرشحًا مسلمًا من أصل 76 في مناصب متنوعة في أنحاء البلاد، وفقًا لبيانات مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية. هذا النجاح يعكس تزايد الدعم للمرشحين المسلمين من قبل الناخبين من مختلف الخلفيات، ويشير إلى أن الناخبين أصبحوا أكثر استعدادًا لانتخاب قادة يمثلون التنوع العرقي والديني في المجتمع الأمريكي.
“إذا لم تستطع أن تسمي الإبادة الجماعية بالإبادة الجماعية، فلا تخبرني أنك ستقف في وجه دونالد ترامب”
ويرى الكرّة أن هذا الزخم يأتي في لحظة حرجة للمجتمع المسلم الأمريكي، مشيرًا إلى أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري سيلتفتان إلى هذه الشريحة المتنامية وإمكانية رفع نسبة إقبالها على التصويت. هذا الاهتمام المتزايد من قبل الأحزاب السياسية يمكن أن يؤدي إلى زيادة تمثيل المسلمين في المناصب الحكومية، وتعزيز قدرتهم على التأثير في السياسات العامة.
هذا التحول يأتي في وقت تقلّص فيه الدعم للحزب الديمقراطي بين المسلمين، بحسب مركز “بيو”، خاصة بعد الغضب الواسع من موقف إدارة الرئيس السابق جو بايدن من حرب غزة. هذا الغضب ساهم في فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2024، حيث خسر الديمقراطيون ولاية ميشيغان، التي تضم تركيزًا عاليًا من الأميركيين المسلمين، بفارق ضئيل. حركة “غير ملتزم” الاحتجاجية لعبت دورًا كبيرًا في ذلك، بحسب التقارير.
مرشحون صاعدون يمثلون التغيير
وسلطت الأضواء على عدد من المرشحين الجدد الذين يعكسون هذا التحول السياسي، وفي مقدمتهم عبد الرحمن محمد السيد في ميشيغان، الذي يخوض سباق مجلس الشيوخ بدعم واسع. السيد يعتبر أن القضية الفلسطينية باتت اختبارًا أخلاقيًا يكشف، من وجهة نظر كثيرين، ازدواجية الخطاب الديمقراطي حول القيم وحقوق الإنسان. هذا الموقف يعكس تزايد الوعي السياسي لدى المرشحين المسلمين، ورغبتهم في الدفاع عن قضايا مجتمعاتهم.
كما لفتت الأنظار إلى ترشح عباس علوية، أحد مؤسسي حركة “غير ملتزم”، لتمثيل ديربورن وديربورن هايتس في مجلس شيوخ ولاية ميشيغان. وفي كارولاينا الشمالية، دخلت نداء علام السباق التمهيدي لمجلس النواب الأميركي، متحدية النائبة الحالية فاليري فوشي، بدعم من شخصيات تقدمية بارزة، من بينها السيناتور بيرني ساندرز. علام هي مفوضة مقاطعة دورهام في ولاية كارولاينا الشمالية، وتُعد أول امرأة مسلمة تُنتخب لمنصب عام في الولاية.
تحديات تواجه المرشحين المسلمين
على الرغم من هذا الزخم، يواجه المرشحون المسلمون بيئة عدائية تتسم بالتهديدات وخطاب الكراهية. ومع ذلك، يؤكد الكثيرون أن الرد يكون بمضاعفة العمل وخوض المعركة السياسية بثبات. وائل الزيات، الرئيس التنفيذي لمنظمة إمغيج، يرى أن البيئة العامة تسمح للبعض بمهاجمة المسلمين، ولكن الأمل هو أن تغير الانتخابات هذا الواقع السياسي. التركيز على المشاركة السياسية ورفع الوعي بأهمية التصويت هما من العوامل الرئيسية التي يمكن أن تساعد في التغلب على هذه التحديات.
وقالت علام إن فكرة وصول مسلمين إلى مناصب كبرى كانت تبدو “غير معقولة” عند هجرتها مع عائلتها عام 1999، معتبرة أن انتخاب عمدة مسلم لنيويورك أو فوزها شخصيًا لم يكن متصورًا قبل سنوات قليلة. هذا التحول يعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الولايات المتحدة، ويشير إلى أن المجتمع أصبح أكثر انفتاحًا على التنوع.
من المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة في التوسع خلال السنوات القادمة، مع تزايد عدد المرشحين المسلمين والعرب الذين يترشحون للمناصب السياسية على جميع المستويات. ستكون الانتخابات النصفية القادمة في عام 2026 بمثابة اختبار حقيقي لمدى استمرار هذا الزخم، وما إذا كان سيؤدي إلى زيادة تمثيل المسلمين في الكونجرس والولايات. من المهم مراقبة تطورات هذه الظاهرة، وتحليل تأثيرها على السياسة الأمريكية والمجتمع بشكل عام.













