يقول تقرير حصري لصحيفة واشنطن بوست الأميركية إن روسيا عاودت ترميم منشأة أبحاث عسكرية للأسلحة البيولوجية تعود للحقبة السوفياتية بعد بداية حربها مع أوكرانيا وفق ما رصدته صور الأقمار الصناعية الأميركية.
ووفق التقرير الذي كتبه مراسل الأمن القومي جوبي واريك وخبير التحليل المكاني وإعادة البناء ثلاثي الأبعاد جاريت لي، كشفت سنتان من المراقبة الأميركية الحثيثة لسيرغييف بوساد-6 الواقعة على بعد حوالي 97 كيلومترا شمال شرقي موسكو، عن 10 مبان جديدة، بمساحة إجمالية تزيد على 250 ألف قدم مربع.
وكانت المنشأة، باسم زاغورسك-6، إحدى مدن الجيش الأحمر العسكرية المغلقة في عهد الاتحاد السوفياتي، وكانت محاطة بمصانع وأبحاث سرية للأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية بما في ذلك الأمراض الخطيرة شديدة العدوى مثل الجدري والإيبولا.
6 آلاف عالم
ويعيش في سيرغييف بوساد، وهي مدينة تحيطها الغابات وتضم 110 آلاف نسمة، ما يصل إلى 6 آلاف عالم مع عائلاتهم في مجمعات سكنية حكومية تضم ساحات ألعاب ومدرسة واحدة على الأقل، وتنقسم المنشأة الحالية إلى قسم عسكري فيه معامل البحث، وقسم جنوبي يضم مرافق السكن والإدارة. وأعلن مسؤولون روس رسميا في الأسابيع الماضية عن أن المنشأة ستستخدم لتقوية دفاعات روسيا ضد الأسلحة البيولوجية، وقد استخدمت أثناء جائحة كورونا لتطوير لقاح، إلا أن تاريخ المنشأة بجانب مقوماتها الحالية يثير قلق الولايات المتحدة وخبراء الأسلحة البيولوجية من استخدامها في حرب أوكرانيا أو غيرها.
وبينما تزعم روسيا أن غرض بحوثها البيولوجية دفاعي، فهذا لا ينفي المخاوف بشأن قدراتها الهجومية، حسب التقرير، خصوصا مع تزايد إشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ترسانة روسيا النووية، كما تقدم مسؤولون روس بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2022 مفادها أن أوكرانيا كانت تنوي استخدام الأسلحة البيولوجية ضد القوات الروسية، وهذه إستراتيجيات لجأت إليها روسيا سابقا ضد الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة لتبرير برنامج أسلحتها النووي والبيولوجي.
وعلق مايكل دويتسمان، الخبير في تكنولوجيا الصواريخ الروسية والسوفياتية في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، على ذلك قائلا: “هذا هو نفس المكان الذي قاموا فيه بتحويل الجدري إلى سلاح، ويزيد الخطر الآن بسبب تقدم التكنولوجيا والتقنيات الجديدة”.
أهم ما وجد
استند التقرير في تحليله إلى صور الأقمار الصناعية ومقابلات مع مسؤولين استخباراتيين أميركيين بالإضافة إلى خبراء عسكريين وخبراء دفاع ضد الأسلحة البيولوجية.
ووجد التقرير، اعتمادا على تحاليل 5 خبراء، أن هناك 4 مبان مزودة بأنظمة تهوية واسعة النطاق، وهي إحدى سمات المختبرات من أجل السلامة البيولوجية 4، وتدلل هذه الدرجة على ضرورة التزام أعلى مستوى ممكن لاحتياطات السلامة، مما يشير إلى أن المنشأة تتعامل مع أشد الأمراض عدوى وفتكا.
وعادة ما يستبدل الهواء كليا من 12 إلى 15 مرة بالساعة الواحدة في المنشآت من الدرجة 4 للحفاظ على سلامة العاملين فيها، ما يتطلب تحكما دقيقا في ضغط الهواء وأدوات التنقية وتوفر معدات هواء احتياطية وأنظمة تفصل مساحات المختبرات عن غيرها في المباني، وأشار التقرير إلى أن هذه المباني يمكن أن تستخدم للمقومات الدفاعية أو الهجومية بحد سواء.
وكشفت صور الأقمار الصناعية في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2023 عن بناء نفق تحت الأرض بعرض 11 مترا تقريبا، يربط بين المختبرات ومحطة طاقة، ويتيح النفق نقل المركبات والأفراد في مساحة آمنة، بالإضافة إلى وصل أنابيب للتدفئة وتعقيم المعدات المختبرية.
تشبه المواقع العسكرية
كما رصدت الصور زيادة في التدابير الأمنية، فقد سُيجت المنطقة وأنشئت نقاط تفتيش جديدة وصممت الطرق لتسهيل الحركة داخليا وأزيلت الأشجار المحيطة لتسهيل الرصد والمراقبة، وتماثل هذه الإجراءات الدفاعية ما تم اتباعه في المواقع العسكرية الروسية الأخرى ذات الحراسة المشددة.
وقال وليام جودهيند، محلل الصور العسكرية في شركة كونتستد غراوند: “تسمى هذه الإستراتيجية طبقات البصل الدفاعية، فكلما زاد عدد الطبقات الأمنية، قل احتمال نجاح أي عملية هجوم أو اختراق”.
وأكد التقرير على انتشار جو من الارتباك والارتياب بين الخبراء في الغرب والعالم تجاه ما تنوي روسيا فعله بسيرغييف بوساد-6، خصوصا أنها واحدة من 3 منشآت أسلحة روسية لم يُسمح للخبراء الدوليين بالدخول إليها خلال التسعينيات عندما طلبت روسيا مساعدة الغرب لمنع سرقة أسلحتها آنذاك، ولا يزال يحيط بالمنشأة جو من الغموض والتحسب وسط نفي وإنكار روسي شديد من أنها تستخدم لتطوير الأسلحة البيولوجية.