تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، شهدت دبي أمس انطلاق أعمال المؤتمر الثالث لمنظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو» في شأن الطيران وأنواع الوقود البديل، بحضور دولي واسع لأكثر من 1000 مشارك من مختلف أنحاء العالم، من بينهم أكثر من 40 وزيراً، إلى جانب وفود حكومية من أكثر من 90 دولة، وأكثر من 30 منظمة دولية وإقليمية ذات صلة، ورؤساء تنفيذيين لكبار شركات الطيران وشركات إنتاج الوقود والشركات المصنعة للطائرات.
جلسات
وتمتد أعمال المؤتمر في الفترة من 20 وحتى 24 نوفمبر الجاري، وتشمل أجندته جلسة وزارية رفيعة المستوى تعقبها عدة جلسات للوفود الحكومية من ممثلي الدول الأعضاء في منظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو» وبحضور ممثلين من شركات الطيران وشركات إنتاج الوقود وعدد من المنظمات ذات الصلة والتي ستشارك بصفة مراقب، وذلك لمناقشة 5 بنود رئيسة على مدار 17 جلسة، تتركز في مستجدات إنتاج الطاقة النظيفة والسياسات اللازمة لدعم التحول نحو إنتاج الوقود منخفض الكربون والوقود المستدام والأنواع الأخرى من الوقود النظيف (مثل الهيدروجين)، وكذلك سبل دعم الدول لبناء قدراتها لإنتاج الطاقة النظيفة للطيران، وآليات التمويل اللازمـة، ومراجعة الهدف الطموح طويل الأجل لإيكاو للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول سنة 2050.
حياد مناخي
وكانت النسخة الأولى لهذا المؤتمر قد انطلقت في سنة 2009 في البرازيل، وتلتها النسخة الثانية في المكسيك في سنة 2017، ويتطلع العالم إلى النسخة الثالثة الخاصة والحساسة، إذ تأتي مباشرة بعد قرار الجمعية العمومية 41 لسنة 2022 لمنظمة (إيكاو) المتعلقة بهدف الحياد المناخي 2050، وتهدف إلى إحداث توافق دولي في شأن ضرورة الاستثمار في تطوير وإنتاج الوقود البديل منخفض الكربون للطائرات، ومن المنتظر أن تخرج النسخة الثالثة من أعمال المؤتمر بإعلان إطار عمل عالمي واضح عن سبل التحول نحو وقود بديل ووقود منخفض الكربون في قطاع الطيران.
دور حاسم
وقال معالي سهيل بن محمد المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية: إن صناعة الطيران تؤدي دوراً حاسماً في دعم الجهود الدولية للحد من الانبعاثات الكربونية، وتبذل الإمارات جهوداً مكثفة لتطوير البيئة التنظيمية الوطنية لإنتاج وقود الطيران المستدام بما يتوافق مع طموحاتنا الوطنية إلى تعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة، وبما يخدم جهودنا في تحقيق الحياد المناخي بحلول سنة 2050.
وأضاف إن الإمارات تتبع نهجاً متوازناً لاستكشاف الفرص المستقبلية لوقود الطائرات المستدام، وتحسين كثافة الكربون في وقود الطائرات المعتمد على الهيدروكربون، ويمثل أحد محاور التحول السريع في قطاع الطاقة نحو الطاقة النظيفة. وتابع: يمثل المؤتمر منصة مثالية لتحفيز الجهود الدولية للتحول نحو استخدام الطاقة النظيفة في قطاع الطيران، بما يخدم الهدف الطموح في الوصول إلى صافي صفر انبعاثات كربونية في قطاع الطيران بحلول سنة 2050.
تحديات
وقال معالي عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، إن ما يواجهه العالم اليوم من تحديات تنموية غير مسبوقة نتيجة تداعيات التغير المناخي، لم يترك لنا خياراً آخر أمام ضرورة التحول نحو نموذج اقتصادي منخفض الكربون، مشيراً إلى أنه في ظل المساعي الدولية الحثيثة لإيجاد نهج واقعي لهذا التحول قادر على مواكبة الاحتياجات التنموية والاقتصادية، يظل ملف الطيران المدني أحد الملفات الرئيسة التي تشكل تحدياً كبيراً أمام صانعي السياسات والمستثمرين لما يمثله من ركيزة أساسية من ركائز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام عالمياً.
وأكد في كلمته الافتتاحية أن ملف التغير المناخي اليوم في قائمة أولويات القيادة الرشيدة بدولة الإمارات، وتبذل الدولة مساعي جادة لتسريع التحول نحو نموذج اقتصادي جديد منخفض الكربون، ويشكل قطاع الطيران أحد أهم محاور هذا النموذج.
وأوضح أن الإمارات كانت من أُوَل الدول التي تبنت ملف الاستدامة ومراعاة الأثر البيئي في قطاع الطيران، وقد شاركت في جميع المفاوضات التي قادتها منظمة الطيران المدني الدولي، وصدّقت جميع القرارات الدولية التي تخدم هذا التوجه، وكانت من أُوَل الدول التي أعلنت التزامها في سنة 2016 تطبيق خطة «كورسيا» الخاصة بالتعويض عن الكربون في النقل الجوي الدولي. وكذلك أطلقت الإمارات خريطة طريق وطنية لوقود الطيران المستدام، وحددت عبرها هدفاً طموحاً لتحقيق إنتاج سنوي يصل إلى 700 مليون لتر من وقود الطيران المستدام بحلول سنة 2030، ما سيسهم في خفض ما يصل إلى 4.8 ملايين طن من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، كما أعلن القطاع التزامه الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول سنة 2050.
وتابع: إن هذا الالتزام الحكومي واكبته جهود متوازية من قبل القطاع الخاص بالدولة، حيث تستثمر شركاتنا الوطنية بشكل كبير في أنشطة البحث والتطوير وتعزيز البنية التحتية، وتطوير شراكات دولية لدعم إنتاج الوقود المستدام واستخداماته، وأضاف: لدينا ثقة كبيرة بأن التعاون الدولي ضمن مظلة منظمة الطيران المدني الدولي من شأنه أن يحقق تقدماً كبيراً في هذا الملف ويوجد حلولاً مبتكرة لتحدياته.
وأشار إلى أن هذا التجمع الدولي الضخم لكبار مسؤولي وممثلي مجتمع الطيران العالمي ضمن أعمال المؤتمر الثالث لإيكاو للطيران وأنواع الوقود البديل، سيشكل محطة مفصلية في مستقبل صناعة الطيران والسفر، وسينقلنا إلى مرحلة جديدة في إنتاج وقود الطيران، أكثر استدامة، ومنخفض الانبعاثات، ويسهم بشكل كبير في الوصول للحياد المناخي، وتحقيق ما التزمناه في قرار الجمعية العمومية 41 لسنة 2022 بالوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول سنة 2050.
فرصة
وقال سلفاتوري شاكيتانو، رئيس مجلس منظمة الطيران المدني الدولي: إن المؤتمر يمثل فرصة حاسمة للدول لإظهار موقف قوي وريادي في معالجة حلول انبعاثات الطيران الدولي، والذي يُعقد قبل أيام من مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 28» هنا أيضاً في الإمارات.
وشدد أن تطوير إطار عمل عالمي قوي وطموح سيخدم جهودنا المشتركة والتزامنا إزالة الكربون من هذا القطاع.
هدف طموح
وفي كلمة مسجلة للمؤتمر، قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة: دعوني أبدأ بتحية القرار الصادر العام الماضي عن الجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو» في شأن تبني الهدف العالمي الطموح للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول سنة 2050، إن تحقيق هذا الهدف الطموح سيكون مهمة ضخمة لقطاع الطيران، الذي يسهم بنسبة 2% من مجمل الانبعاثات الكربونية، فهو أحد القطاعات التي تشكل تحدياً كبيراً لخفض الكربون بها ولكن مع كل شيء يمكن تحقيقه بالابتكار والاستثمار.
وأضاف: إن قطاع طيران بلا انبعاثات يتطلب تحول القطاع عالمياً نحو الطاقة النظيفة، وهو ما يتطلب سياسات اقتصادية جديدة وقوانين داعمة لهذا التحول وقادرة على خلق فرص اقتصادية واستقطاب الاستثمارات، ولهذا فإننا نتطلع إلى الإطار العالمي الذي سينشأ عن هذا المؤتمر لدعم التحول نحو الوقود البديل للطيران والذي سيشكل خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة لهذا القطاع الحيوي.
وتابع: إن انعقاد هذا المؤتمر قبل أيام من انعقاد مؤتمر «كوب 28» يجعل الوقت الحالي الأنسب لتحويل هذا الطموح العالمي إلى خطط واقعية وقابلة للتنفيذ وإيجاد المسار المؤدي إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول سنة 2050 وبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة لنا جميعاً.
وكذلك شارك بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة في فعاليات المؤتمر عبر كلمة مسجلة أكد فيها أن قطاع الطيران المدني أحرز تقدماً ملموساً في مجال حماية البيئة، وخاصة بعد اتفاق باريس للمناخ في سنة 2015.
وأضاف إن القرار التاريخي لإيكاو في سنة 2016 في شأن خطة «كورسيا»، وهي خطة لتعويض وتقليل انبعاثات الكربون في قطاع الطيران، يُعد الإجراء العالمي الوحيد القائم على آليات السوق لتقليل انبعاثات الكربون، والتي شهدت استجابة دولية واسعة، فدخلت هذه الخطة حيز التنفيذ بمشاركة 126 دولة متطوعة من أنحاء العالم. وإضافة إلى ذلك، قرار الجمعية العمومية لإيكاو العام الماضي بالالتزام بالهدف العالمي الطموح طويل الأجل للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية في قطاع الطيران بحلول سنة 2050، يبرز الطموح المشترك للدول الأعضاء في إيكاو إلى تحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال، ويُعلن بداية فصل جديد في مسار الاستدامة في قطاع الطيران.
وأشار إلى أن الوقت قد حان لتحويل هذا الطموح إلى واقع. وتابع إن هناك تقدماً ملموساً في تطوير حلول لإنتاج وقود منخفض الكربون ومستدام، ودعا إلى تعزيز التعاون بين الحكومات وشركات الطيران وشركات الوقود والشركات المصنعة ومؤسسات التمويل على إمكان مواصلة هذا التقدم نحو تحقيق الغايات الطموحة، مؤكداً أن التحدي كبير، ولكن التعاون المشترك يجعلنا قادرين على تجاوزه.
مسار صحيح
وفي كلمة رئيسة ألقاها السفير ماجد السويدي، المدير العام والممثل الخاص لرئاسة الإمارات لمؤتمر الأطراف «كوب 28»، أكد أن المؤشرات الراهنة تؤكد أن العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق الأهداف المناخية لاتفاقية باريس، ولكن لا يزال لدينا الوقت لتغيير المسار، إذا نظرنا إلى هذا التحدي أنه فرصة مشتركة للتعاون، وهذا ما تعمل رئاسة «كوب 28» على تحقيقه، بتكوين شراكات وتحقيق التوافق من أجل العمل المناخي الجماعي.
وأوضح أن رئاسة «كوب 28» وضعت خطة عمل تتألف من أربعة محاور أساسية تشمل: تسريع إنجاز انتقال منظم وعادل ومسؤول في قطاع الطاقة، وتطوير آليات التمويل المناخي، والتركيز على الحفاظ على البشر والحياة وتحسين سُبل العيش، ودعم كل هذه الركائز السابقة باحتواء الجميع بشكل تام.
وشدد أن التحول في الطاقة بات مطلباً حيوياً لكل القطاعات والصناعات الاقتصادية، ويمثل التحول الراهن لقطاع الطيران نحو وقود منخفض الكربون ووقود مستدام، ضرورة تنموية لدعم أهداف العمل المناخي. وأضاف: لا يمكن لأي بلد أو شركة أو فرد مواجهة تحدي هذا الحجم وحده، ولا ينبغي ترك أحد خلفاً. وأشار إلى أن التنسيق والتعاون والشراكات في ما بين الدول هو الأساس، مشيراً إلى الشراكة القائمة بين الإمارات والولايات المتحدة لتسريع الطاقة النظيفة والتي تقدم مثالاً على نوع الشراكات المطلوبة، ويمثل النقل أحد المحاور الرئيسة في هذه الشراكة.
حضر المؤتمر سيف محمد السويدي المدير العام للهيئة العامة للطيران المدني، وخوان كارلوس سالازار الأمين العام لمنظمة الطيران المدني الدولي وعدد من كبار المسؤولين والشخصيات المهمة في قطاعات الطيران والطاقة والاستثمار.