حذّرت دراسة دولية حديثة من تداعيات مقلقة قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في الوفيات في البلدان النامية خلال السنوات القليلة القادمة، بسبب انخفاض حاد في المساعدات الخارجية المخصصة للتنمية والصحة ومكافحة الأمراض. وتشير الدراسة إلى أن هذا الانخفاض يمثل تهديدًا خطيرًا للجهود المبذولة لتحسين الصحة العامة وتقليل معدلات الفقر في المناطق الأكثر احتياجًا في العالم.
نُشرت الدراسة، التي أجراها باحثون من مؤسسات مرموقة في إسبانيا والبرازيل وموزمبيق، في مجلة “ذا لانسيت غلوبال هيلث” وتُعد بمثابة جرس إنذار حول مستقبل التعاون الدولي في مجال التنمية. وتوضح الدراسة أن التخفيضات في المساعدات تأتي في وقت حرج، حيث لا تزال العديد من الدول تكافح للتعافي من جائحة كوفيد-19 وتواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.
تأثير الانخفاض في المساعدات الخارجية على الصحة العالمية
تُشير التقديرات إلى أن التخفيضات الحالية في المساعدات قد تؤدي إلى أكثر من 22.6 مليون وفاة إضافية بحلول عام 2030، وفقًا للسيناريو الأكثر تفاؤلاً، مع توقع وفاة 5.4 مليون طفل دون سن الخامسة. ويُعزى هذا الارتفاع المتوقع في معدلات الوفيات إلى تراجع القدرة على مكافحة الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسل، بالإضافة إلى تقويض برامج الصحة العامة الأساسية.
قرارات الولايات المتحدة وأوروبا
تُركّز الدراسة بشكل خاص على قرارات عدد من الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بخفض ميزانيات المساعدات الخارجية. ويُذكر أن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتقليل المساعدات الخارجية بأكثر من 80% بعد عام 2024، بالإضافة إلى حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، قد أثر بشكل كبير على حجم المساعدات المتاحة.
وبالتزامن مع ذلك، خفّضت دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا من مساهماتها في المساعدات الخارجية، مستندةً إلى ضغوط مالية وارتفاع في الإنفاق الدفاعي في أعقاب الحرب في أوكرانيا. في المقابل، حافظت اليابان على مستوى نسبيًا من الاستقرار في تقديم المساعدات خلال العامين الماضيين، مما يبرز اختلافًا في السياسات بين الدول المانحة الرئيسية.
تداعيات طويلة المدى وتأثيرها على التنمية
لا تقتصر آثار هذا الانخفاض في المساعدات الخارجية على المدى القصير، بل قد تمتد لتقويض مشاريع تنموية مهمة بُنيت على مدى عقود. ويؤكد الباحثون أن حجم المساعدات، على الرغم من أنه قد يبدو ضئيلاً مقارنة بالميزانيات العالمية، إلا أنه يحمل تأثيرًا مباشرًا وحاسمًا على حياة الملايين. ويتوقعون أن يؤدي تقليص الدعم المالي إلى إعاقة التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الفقر والجوع وتحسين الصحة والتعليم.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انخفاض المساعدات إلى تفاقم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلدان النامية، مما يزيد من خطر نشوب صراعات وهجرات جماعية. ويزيد شح الموارد المتاحة من صعوبة معالجة الأسباب الجذرية للفقر والتهميش، مما يعيق الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة والشاملة.
الآفاق المستقبلية والمخاوف المستمرة
تُشير التوقعات إلى أن استمرار هذه الاتجاهات التنازلية في المساعدات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في العديد من البلدان النامية. ومن المتوقع أن تتأثر بشكل خاص الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية لتلبية احتياجاتها الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والغذاء والمياه.
في الوقت الحالي، يراقب المجتمع الدولي عن كثب التطورات السياسية والاقتصادية في الدول المانحة الرئيسية، ويأمل في رؤية تغيير في السياسات يعكس التزامًا متجددًا بالتعاون الدولي والتنمية المستدامة. ومن المقرر أن تجتمع الأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا العام لمناقشة التحديات التي تواجه التمويل الإنمائي، وقد تسفر هذه الاجتماعات عن مبادرات جديدة لتعزيز المساعدات الخارجية وتعبئة الموارد الإضافية.













