طرابلس– منذ بداية النزوح الكبير من الجنوب اللبناني والضاحية والبقاع، برزت جهود شبان عاصمة الشمال طرابلس ومتطوعيها في تقديم المساعدة الفورية للأسر النازحة.
وبمبادرة من لجان أهالي طرابلس، تم تجهيز عدة مراكز في المدينة في وقت قياسي، منها المعهد الفندقي المهجور، الذي أصبح في ظرف يوم واحد أحد مراكز الإيواء المعتمدة من الدولة اللبنانية.
المخيمات الفلسطينية في شمال لبنان كانت أيضا في قلب المشهد، حيث شاركت باستقبال مئات النازحين في مراكز الإيواء والمنازل في مخيمي البداوي ونهر البارد.
وفي منطقة الكورة، دعا اتحاد البلديات شباب المنطقة إلى متابعة العمل في مراكز الإيواء على غرار طرابلس، وقال إن الجهود المبذولة هناك ساهمت في توفير الاستقرار المؤقت للعائلات.
وامتدت مراكز الإيواء من عاصمة الشمال اللبناني إلى المناطق المجاورة مثل زغرتا والمنية ووصلت شمالا إلى عكار باتجاه الحدود اللبنانية السورية.
اجتماع وتنسيق للجهود
ولم تقتصر الجهود على المبادرات المؤسسية أو مراكز الإيواء التي حددتها الدولة اللبنانية، بل انخرط العديد من الأفراد في تأسيس مراكز إيواء جديدة بشكل مستقل، ولبّوا احتياجات النازحين من مواردهم الخاصة.
ويتحدث خالد صباغ أحد النشطاء في المدينة للجزيرة نت، عن الساعات الأولى من الأزمة، حين اجتمع وعدد من الشباب الطرابلسي لتشكيل نواة “لجان أهالي طرابلس”، والتي جمعت عشرات المتطوعين لاستقبال النازحين على مداخل المدينة، وتجهيز مراكز الإيواء، وحل المشاكل الفردية.
ومع تزايد أعداد النازحين، استعانت بعض المنظمات الدولية بالإحصائيات التي جمعها المتطوعون المحليون لتنسيق جهود الإغاثة. فوفقا لصباغ، بدأ المتطوعون برصد الحالات الطارئة وتحديد الاحتياجات الصحية، وتقديم التبرعات الدوائية بشكل موجه، وهذا ساعد على تنظيم العمل بكفاءة أكبر، وإيصال الإحصائيات والكشوفات للمنظمات الدولية المعنية.
ويشير عمر الأبيض، أحد المتطوعين في لجان أهالي طرابلس للجزيرة نت، إلى أن الشبان ركزوا جهودهم من اليوم الأول على التشدد في إدارة المستودعات لضمان الشفافية ومنع أي استغلال. كما أحضروا معدات متخصصة، ووضعوا نظاما دقيقا لإدارة المخزون، بالتعاون مع جمعيات كشافة الجراح، وشيفت، ورواد التنمية، والصليب الأحمر اللبناني.
وساهم هذا التعاون في تسريع الاستجابة وتلبية احتياجات العائلات النازحة بشكل أكثر فاعلية، كما يقول الأبيض.
كما تم جمع التبرعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتوفير المواد الأساسية، من أطعمة ومستلزمات، وبالأخص الأفرشة، التي أصبحت نادرة التوفر في المدينة. واستخدم بعض الشبان مولداتهم الكهربائية الشخصية لتأمين الطاقة.
في ظل ضعف الدور الرسمي وعدم جهوزية مراكز الإيواء، أخذ نحو 400 متطوع من لجان أهالي طرابلس على عاتقهم الشخصي تجهيز المعهد الفندقي في يوم واحد، ليكون قادرا على استضافة نحو 300 نازح.
وفي جبل محسن، افتُتحت 3 مراكز إيواء أخرى في وقت قياسي وبمبادرات أهلية بعيدة عن الدولة، في حين تم توزيع عدد آخر من النازحين على أماكن مثل فندق “كواليتي إن” المهجور الذي استقبل نحو 700 شخص، ومدرسة “مي” التي استقبلت 600 نازح، ومدرسة “دده” التي استضافت 140 نازحا، بالإضافة إلى مئات العائلات التي استضافتها المنازل، حسب ما أفادت لجان الأهالي للجزيرة نت.
تحديات وحاجة للتنسيق
وبعد مرور بضعة أيام على بدء الأزمة، بدأت المناقشات حول كيفية ضمان استدامة هذه الجهود بين لجان الأهالي والبلديات والمنظمات الدولية، في ظل تزايد أعداد النازحين واستمرار تدفق العائلات.
وترى لجان أهالي طرابلس أن هذه المبادرات تحتاج إلى دعم مستمر من الجهات المانحة والمؤسسات الحكومية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، وخاصة في ظل نقص الموارد وتزايد الأعباء اللوجستية على المتطوعين.
وبحسب المتطوعين، رغم أن الاستجابة الطارئة كانت سريعة، فإن المرحلة القادمة تتطلب وضع خطط طويلة الأمد لتأمين المساعدات الغذائية والدوائية، وضمان عدم حدوث أي استغلال أو تدهور في الأوضاع الإنسانية للعائلات النازحة.