أحيت الكويت أمس الذكرى الثالثة والستين لإقرار دستور الكويت، وهو الحدث الذي يمثل علامة فارقة في تاريخ البلاد، ويمثل الركيزة الأساسية لنظام الحكم والعلاقة بين السلطات. يمثل هذا اليوم مناسبة وطنية لاستذكار التزام الكويت الراسخ بالديمقراطية، وحماية حقوق المواطنين، وتعزيز مبادئ العدل والمساواة. ويُعد هذا الدستور حجر الزاوية في بناء الدولة الحديثة وتعزيز استقرارها.
أهمية دستور الكويت في مسيرة الوطن
يمثل صدور دستور 1962 نقطة تحول رئيسية في تاريخ الكويت، حيث أنهى مرحلة من التطور السياسي التدريجي ووضع الأساس لدولة حديثة قائمة على مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون. وقد جاء الدستور تتويجاً لجهود متواصلة بدأت بوثيقة 1938، والتي مهدت الطريق لوضع دستور دائم للبلاد. وقد أرسى الدستور نظاماً ملكياً دستورياً، يفصل بين السلطات ويضمن حقوق وحريات المواطنين.
الوثيقة التأسيسية والخطوات الأولى
في عام 1961، أصدر الشيخ عبدالله السالم الصباح مرسوماً أميرياً بتشكيل مجلس تأسيسي لإعداد دستور دائم للبلاد. وقد انتخب أعضاء المجلس الشيخ عبد اللطيف الغانم رئيساً للمجلس، والدكتور أحمد الخطيب نائباً للرئيس. تشكلت لجنة دستورية تضم نخبة من المفكرين والقانونيين الكويتيين، وعلى رأسهم الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، لوضع مسودة الدستور. وعرضت اللجنة مسودة الدستور على المجلس التأسيسي الذي أقرها بالإجماع في الثالث من نوفمبر 1962، ثم صادق عليها الشيخ عبدالله السالم الصباح وأصدرها في الحادي عشر من نوفمبر 1962.
بنية الدستور وأهم مواده
يتألف الدستور الكويتي من 183 مادة مقسمة على خمسة أبواب رئيسية. يتناول الباب الأول الدولة ونظام الحكم، بينما يركز الباب الثاني على المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي. ويحدد الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة للمواطنين. أما الباب الرابع فيتناول السلطات الثلاث، مع تفصيل صلاحيات ومهام كل سلطة. وفي النهاية، يختتم الباب الخامس بأحكام عامة ومؤقتة. ويضمن الدستور حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة، وحرية التجمع، بالإضافة إلى حقوق المواطنين في التعليم والصحة والعمل. كما يضمن الدستور استقلالية القضاء وحماية حقوق الملكية الخاصة.
الدستور وحماية الكويت في الأزمات
على مر السنين، لعب دستور الكويت دوراً حاسماً في حماية البلاد من مختلف التحديات الداخلية والخارجية. وقد كان بمثابة حصن منيع خلال فترة الغزو العراقي في عام 1990، حيث توحد الكويتيون تحت راية الشرعية والدستور لمواجهة الاحتلال. وبعد التحرير، ساهم الدستور في إعادة بناء البلاد وتعزيز الاستقرار السياسي.
وعلى الرغم من التحديات السياسية التي واجهتها الكويت في العقود الأخيرة، إلا أن الدستور ظل مرجعاً أساسياً لحل النزاعات والحفاظ على الوحدة الوطنية. وقد أكد أمراء الكويت المتعاقبون على أهمية التمسك بالدستور وحماية مبادئه. كما شهدت البلاد مبادرات لتعزيز الديمقراطية وتطوير المؤسسات الدستورية.
تأكيد القيادة على التمسك بالدستور
لطالما أكد قادة الكويت على تمسكهم بالدستور باعتباره العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب، وأنه الأساس الذي يقوم عليه نظام الحكم في البلاد. فقد أكد سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وسمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وأخيراً صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله، على أهمية الدستور وضرورة الحفاظ عليه وتطبيقه.
ويظل الدستور الكويتي رمزاً للوحدة الوطنية، ومنارة تهتدي بها الأجيال في مسيرة البناء والتنمية. وهو صمام أمان للوطن، ومصدر إلهام للأجيال القادمة.
من المتوقع أن يشهد المجلس الأعلى للقضاء مناقشات حول تحديث بعض القوانين بما يتماشى مع أحكام الدستور خلال العام المقبل. كما من المرجح أن تستمر الجهود لتعزيز الوعي بأهمية الدستور بين المواطنين، خاصة الشباب، من خلال برامج تثقيفية وحوارات عامة. يبقى مستقبل الكويت مرتبطاً بشكل وثيق بالتمسك بقيم الدستور وسلطته.













