نشر معهد إيفوب الفرنسي دراسة حديثة تلقي الضوء على التغيرات التي يشهدها المجتمع المسلم في فرنسا، مع التركيز على الممارسات الدينية المتزايدة وتطور الهويات. أظهرت النتائج “تحولات لافتة” في هذا المجتمع، مما أثار نقاشًا واسعًا بين السياسيين والإعلاميين والجمهور حول مستقبل الإسلام في البلاد. الدراسة، التي نُشرت في 21 نوفمبر 2025، تثير تساؤلات حول التماسك الاجتماعي وتأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على معتقدات الشباب المسلمين.
تأتي هذه الدراسة في وقت تشهد فيه فرنسا نقاشات متصاعدة حول الهوية الوطنية والدين، خاصةً في ظل الأحداث الجيوسياسية الأخيرة وتزايد المخاوف الأمنية. وقد أشار معهد إيفوب إلى أن الزيادة في عدد المسلمين في فرنسا، وإن كانت بطيئة، إلا أنها مستمرة، مما يجعل فهم تطوراتهم الدينية والاجتماعية أمرًا بالغ الأهمية.
الوضع الحالي للمسلمين في فرنسا: تحولات دينية واجتماعية
أظهرت الدراسة أن نسبة المسلمين البالغين في فرنسا ارتفعت إلى 7% في عام 2025، مقارنة بـ 0.5% في عام 1985. ويؤكد المعهد أن هذه الزيادة لا تدعم نظرية “الاستبدال الكبير” التي يروج لها البعض. إضافة إلى ذلك، تشير النتائج إلى “إحياء ديني” ملحوظ بين المسلمين، حيث أفاد ثمانية من كل عشرة بأنهم متدينون بدرجات متفاوتة، وهو معدل أعلى بكثير من أتباع الديانات الأخرى.
ازدياد الممارسات الدينية بين الشباب
تُظهر الدراسة ارتفاعًا ملحوظًا في الممارسات الدينية التقليدية، مثل أداء الصلاة اليومية وصيام رمضان. فقد ارتفعت نسبة أداء الصلاة اليومية من 41% في عام 1989 إلى 62% في عام 2025، بينما ارتفعت نسبة الالتزام بصيام رمضان من 60% إلى 73%. هذا الارتفاع أكثر وضوحًا بين الشباب، حيث يصوم 83% من الفئة العمرية بين 18 و 24 عامًا، ويؤدي الصلاة 67% منهم.
ويرى إبراهيم ألجي، الرئيس المشارك للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أن هذا التوجه يمثل تعبيرًا إيجابيًا عن الحرية الدينية، طالما أنه لا يتعارض مع قوانين الجمهورية. ويشير إلى أن ممارسة الإيمان هي حق شخصي مكفول للجميع.
تطورات في التعبير عن الهوية الدينية
سجلت الدراسة أيضًا زيادة في انتشار بعض الممارسات المرتبطة بالهوية الدينية، مثل ارتداء الحجاب. فقد ارتفعت نسبة الشابات المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب من 16% في عام 2003 إلى 45% في عام 2025. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك الدافع الديني، والرغبة في الحماية في الفضاء العام، والتعبير عن الهوية الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن 43% من المسلمين يرفضون أشكالًا معينة من التواصل الجسدي أو البصري مع الجنس الآخر، وأن نسبة أولئك الذين يفضلون تطبيق القوانين الدينية على القوانين الفرنسية في بعض القضايا ارتفعت إلى 44%.
انتقادات للدراسة ومنهجيتها
أثارت نتائج الدراسة انتقادات واسعة من قبل العديد من الخبراء والمراقبين، الذين اعتبروا أنها لا تأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ السياق الاجتماعي والاقتصادي والتمييز الذي يعيشه الشباب المسلم في فرنسا. ويرى البعض أن الأسئلة المتعلقة بالشريعة كانت غامضة وغير محددة، وأن العينة المستخدمة في الاستطلاع (515 شخصًا) كانت صغيرة جدًا وغير ممثلة للمجتمع المسلم بأكمله.
واعتبر المحامي فيلومون غارابيو ماشيري أن الأسئلة المتعلقة بالشريعة لم تحدد أي نسخة منها يقصد بها، مما يثير لبسًا وتساؤلات حول دقة النتائج. كما انتقد الباحث السياسي ألكسندر ديزيه حجم العينة، واصفًا إياها بأنها “غير كافية” وأن الدراسة “بلا قيمة”.
في المقابل، دافع فرنسوا كرو، مدير قسم “السياسة / الأخبار” في إيفوب، عن نتائج الدراسة، مؤكدًا أنها تعكس “إعادة تأكيد للهوية” و”انضمامًا متزايدًا إلى الأطروحات الإسلامية السياسية”. وأشار إلى أن هذه الدينامية قد تكون “غير قابلة للرجوع”، وأن الدراسة ترسم “صورة واضحة لسكان مسلمين يعيشون عملية إعادة أسلمة تقوم على معايير صارمة”.
وقد أثارت هذه النتائج ردود فعل من الحكومة الفرنسية، حيث أكد وزير الداخلية لوران نونيز “ضرورة إطلاق المرحلة الثالثة” من العمل الحكومي ضد “تغلغل الإسلام المتطرف”. وأشار إلى إمكانية تطبيق أدوات جديدة، مثل “جريمة الإضرار بالتماسك الوطني”، وتشديد الرقابة على استقبال القاصرين، وتنظيم تراخيص بناء أماكن العبادة. وقد أثارت هذه الإجراءات تحذيرات من حقوقيين وسياسيين، الذين اعتبروا أنها قد تستهدف المسلمين عمومًا وتزيد الشعور بالإقصاء.
من المتوقع أن تستمر النقاشات حول هذه الدراسة وتأثيراتها على السياسات الحكومية في فرنسا. وستراقب الأوساط المعنية عن كثب التطورات المتعلقة بتطبيق الإجراءات الجديدة المقترحة، وتقييم مدى تأثيرها على الحقوق والحريات الدينية للمسلمين في البلاد. كما سيتم التركيز على الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات المتعمقة والموضوعية لفهم التحديات والفرص التي تواجه المجتمع المسلم في فرنسا.













